يعد قطاع الثروة السمكية أحد مصادر الدخل الاقتصادي في العديد من الدول، حيث يقوم القطاع بتشغيل عدد من القطاعات الأخرى بجانبه، كما يعد من القطاعات التي تحتاج أيديًا عاملة كثيفة، بالإضافة إلى كونه بوابة واسعة لتحقيق الأمن الغذائي، وسد الفجوة الغذائية نظرًاً للزيادة السكانية المطردة التي يشهدها العالم، فالسمك مصدر غذائي مهم يحتوي على البروتين، ومصدر للفيتامينات والمعادن. وعبر التاريخ العماني التليد شكل صيد الأسماك أحد الأركان المهمة في الاقتصاد العماني على مر العصور، حيث تمتلك السلطنة مساحات واسعة من الشواطئ، جعلت صناعة البحر عمومًا والأسماك على وجه التحديد تلقى رواجًا وإقبالًا من العمانيين القدامى، ومع بزوغ عهد النهضة المباركة أولت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عناية هامة بهذا القطاع، ووصلت إلى إقرار استراتيجيتها لتطوير قطاع الثروة السمكية (2013-2020) التي تسعى إلى زيادة الإنتاج السمكي ورفع كفاءة القطاع واستدامته، والعمل على حماية المصائد الطبيعية من الاستنزاف، وتوفير الإمدادات الآمنة من المنتجات السمكية للاستهلاك المحلي، واستغلال المخازين السمكية، إضافة إلى زيادة استثمارات القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الخارجية في مشاريع الصناعات السمكية والاستزراع السمكي.
إن تطوير وتحديث أنظمة الإنتاج السمكي أصبحت فرضًا أكثر منها رغبة، خاصة مع تحديد القطاع السمكي كأحد القطاعات التي تقوم عليها الخطة الخمسية التاسعة للدولة التي تسعى إلى التنويع الاقتصادي المأمول، عبر تحقيق جودة المنتجات السمكية وزيادة عائدها الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، بما يتوافق مع أساس استدامة الموارد السمكية، بالإضافة إلى سعيها لتوفير فرص عمل للمواطنين لزيادة مصادر الداخل، حيث تعتمد شريحة كبيرة من مواطني السلطنة على قطاع الثروة السمكية، حيث يوفر هذا القطاع ما بين 30 إلى 40 ألف فرصة عمل، وما يمتاز به القطاع من تنوع سمكي، يحتاج إلى فتح مزيد من الأبواب والشركات مع القطاع الخاص في مجالات التصنيع السمكي، من تعليب الأسماك بمختلف أنواعها، ومشاريع تعليب شرائح الأسماك، وشرائح أسماك التونة، إضافة إلى تعليب بعض المنتجات البحرية كالروبيان والحبار، وإنتاج زيوت الأسماك، وغيرها من المشاريع السمكية المنتجة اقتصاديًّا.
وبرغم ارتفاع إنتاج السلطنة من الأسماك خلال عام 2015م حسب الأرقام الأولية بنسبة 8.8 بالمئة، حيث بلغ 229 ألفًا و626 طنًّا مقارنة بـ211 ألفًا و32 طنًّا خلال عام 2014م، كما أن سجل إنتاج السلطنة من الأسماك خلال السنوات الخمس الماضية قد شهد نموًّا بنسبة 46 بالمئة منذ عام 2011م، إلا أن الحكومة تسعى إلى الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تستهدف الحكومة بالوصول بالإنتاج إلى 460 ألف طن في نهاية الخطة الاستراتيجية السمكية الأولى عام 2020 ليكون هذا القطاع عنصرًا فاعلًا في تحقيق التنوع الاقتصادي، وذلك عبر خطط وجهود جادة لتطوير أسطول الصيد الساحلي، حيث لا يزال إنتاج السلطنة يأتي بشكل أساسي من الصيد الحرفي الذي يسهم بنسبة 98.1 بالمئة من الإنتاج الكلي للسلطنة من الثروة السمكية، فيما أسهم قطاع الصيد الساحلي بنسبة 1.6 بالمئة، وأسهم قطاع الصيد التجاري بنسبة بسيطة جدًّا بلغت 0.3 في المئة.
ولعل تلك الأرقام هي أكبر دليل على حاجة البلاد إلى إدخال التقنيات الحديثة لإنتاج الأسماك وتطوير سلالتها، وإنشاء مراكز متخصصة لإجراء الأبحاث والدراسات التي تهدف إلى تنمية الثروة السمكية من أجل الوصول إلى نتائج يتم العمل بها وتطبيقها، بالإضافة إلى إدخال الوسائل الحديثة لرفع إنتاج الصيادين، وإعداد الدراسات التسويقية وتهيئة ظروف التخزين المناسبة. ومما يعد خطوة على الطريق الصحيح يأتي توقيع وزارة الزراعة والثروة السمكية مع الصندوق العماني للاستثمار على مذكرة تفاهم لتأسيس وتشغيل شركة الوسطى لصيد الأسماك، حيث ستقوم الشركة باستخدام تقنيات صيد حديثة لزيادة الإنتاج من الموارد السمكية، وإيجاد صناعات سمكية مستدامة ذات قيمة مضافة تسهم في برنامج التنويع الاقتصادي، وتوفير فرص عمل للعمانيين من خلال امتلاك أسطول صيد تجاري قادر على استغلال الموارد السمكية في أعالي البحار، وذلك عبر استخدام الشركة لأفضل الأنظمة الضرورية، واتباع الإجراءات السليمة في عملها ومتابعة أجود الممارسات التجارية لتحقيق معيار الكفاءة العالية وفق النظم المعمول بها. كما ستبذل الشركة جهدها على المدى الطويل في إرساء التعاون المتبادل مع الصيادين المحليين والمجتمعات المحلية، وتحقيق المنفعة العامة، والمساهمة في توفير فرص عمل، وتسخير الإمكانات والخدمات التقنية للصيادين المحليين بما يتناسب مع الأهداف الاقتصادية للشركة.