الوضع الحقيقي الراهن اليوم لكيان الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم أجمع والذي لا يمكن لأحد ـ أي أحد ـ عاقل ومنصف أن ينكره، له صفتان: الأولى كيان محتل للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، والثانية كيان “أبارتيد” عنصري في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، وهاتان الصفتان في موازين الشرعية الدولية والقانون الدولي، ومقياس العقل والمنطق، صفتان مُجَرَّمتان، ولا يمكن الدفاع عن استمرارهما في العالم الحر.
والمؤسف أنه حيال هذه الحقيقة الثابتة، نجد رصيد الأخطاء التي ارتكبتها الدول الغربية وبالتحديد أوروبا والولايات المتحدة تفوق الحصر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ومناصرة كيان الاحتلال الإسرائيلي بصفتيه الآنفتي الذكر، والأنكى أن تطورات الأحداث لا تزال توالي كشف هذه الأخطاء شيئًا فشيئًا، والإصرار عليها بدلًا من المبادرة إلى إصلاحها، بل وتكرارها ومواصلة الإذعان لرغبة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف القضاء المبرم على حقوق الشعب الفلسطيني إلم يستطيعوا إبادة هذا الشعب بالمطلق.
لقد تمادى الغرب في سياسة النفاق مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وطرح شعارات تسوية لم تجد طريقها للتنفيذ منذ “أوسلو” إلى “خريطة الطريق” ثم “حل الدولتين”، وهي أطروحات وافقت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها العرب، إلا أن عدم الوفاء بالتزامات هذه الاتفاقات من قبل القوة القائمة بالاحتلال وهي كيان الاحتلال الإسرائيلي، وسط التأييد المطلق والأعمى والدعم غير المحدود من الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة كشف عن حقيقة وهي التكامل والانسجام في الرؤى والمخططات والمشاريع بين قوة الاحتلال والداعمين من الحلفاء الاستراتيجيين والاستمرار في السياسات الكفيلة بتنفيذها.
بهذه الفظاظة يقود المايسترو الأميركي اليوم لعبة التقاط الأنفاس على خط النهاية، بعد أن شعر بحجم الوجع الذي أصاب حليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي جراء الهزيمة الماحقة لباطل احتلاله ولجرائمه وانتهاكاته في مجلس الأمن الدولي بالتصويت على القرار رقم (2334) والذي يطالب بوقف الاستعمار الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقود هذه اللعبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يبدو أنه يهيئ المسرح الدولي عامة ومسرح المنطقة خاصة لسيناريوهات مستنسخة من صنوه الأسبق الجمهوري جورج بوش “الصغير” الذي قاد “حروبه الصليبية” في العالم والمنطقة من أجل خدمة كيان الاحتلال الإسرائيلي وتأمين بقائه، فقد رمى ترامب ما بحوزته من مواقف مناصِرة للاحتلال الإسرائيلي ليس فقط في وجه منافسيه الديمقراطيين لامتناعهم عن استخدام الفيتو لنسف قرار وقف الاستعمار الاستيطاني، وإنما لكل من تسوِّل له نفسه المساس بكيان الاحتلال الإسرائيلي؛ هذا الكيان الطارئ الغاصب، وهو بذلك يوجه أقوى رد إلى أولئك الذين رفعوا منسوب التفاؤل بفوز ترامب في تغيير الولايات المتحدة سياساتها المدمرة في العالم وفي المنطقة.
وعلى الرغم من أن سياسة الغرب عامة والولايات المتحدة تحديدًا تجاه القضية الفلسطينية تتناقض مع المواثيق الدولية، وترسي نهجًا مغايرًا لسياسة تكريس الديمقراطية في العالم، فإن أميركا بقيادة ترامب ترسل إشارات واضحة ولا لبس فيها باستمرار هذه السياسة، برد المكيال مكيالين، فقد قال ترامب في تغريدة له في معرض التعبير عن غضبه من التصويت على القرار (2334) “لا يمكن أن نواصل السماح بمعاملة “إسرائيل” بمثل هذا الازدراء وعدم الاحترام. كان لهم دائمًا صديق قوي في الولايات المتحدة. ولكن…” وتابع قوله “لم يعد الأمر كذلك. بداية النهاية كانت اتفاق إيران البغيض.. والآن هذا (ما حدث في الأمم المتحدة)! اِبْقِ قوية يا “إسرائيل”.. العشرون من يناير يقترب سريعًا” في إشارة إلى موعد توليه السلطة من الرئيس الديمقراطي. والمفارقة الشاذة هنا هي أن ترامب رفع صوته بأن ما أسماه حماية الولايات المتحدة للغير لن تكون مجانية، بل عليها أن تدفع وتدفع، في حين أن على دافع الضرائب الأميركي أن يدفع دمه وعرق جبينه ولقمة عيشه لحماية أبغض وآخر احتلال في التاريخ الحديث.. إنها الولايات المتحدة، وما أدراك ما الولايات المتحدة، باع طويل في النفاق وابتزاز الخصوم ومن تصفهم بالأصدقاء.
المصدر: اخبار جريدة الوطن