كتب ـ خميس السلطي: تصوير ـ حسين المقبالي
تتواصل لليوم الثاني على التوالي بدار الأوبرا السلطانية مسقط، وبمناسبة مرور خمس سنوات على افتتاح الدار وقيامها بدورها الفعال في التواصل الحضاري والارتقاء بالثقافة والفنون، “احتفالات عمان: الرحلة العظيمة” وذلك في تمام الساعة السابعة مساء، وهو العرض الذي يلقي الضوء على جانب من تاريخ عمان ومسيرة نهضتها المباركة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه.
رصيد فكري
وتأتي أهمية هذه الفعالية المشتركة لدار الأوبرا السلطانية بالتعاون مع مجموعة “ناماستي” بقيادة المخرج الإيطالي الشهير “باولو دالا سيغا”، لتضاف إلى رصيد إنتاجات الدار الفنية والفكرية. وانطلقت أمس أولى ليالي الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية تحت رعاية صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة وبحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة والدبلوماسيين، إضافة إلى جمع غفير من الجمهور الذي امتلأت بهم الساحة الخارجية للدار.
قدم العرض نخبة جسدت إبداعات العُمانيين من الشعراء والأدباء والفنانين مع مشاركات عُمانية شبابية متنوعة بما يعكس الإبداع في المجالات الفنية المتنوعة. ساهم كاتب لوحات العرض الشاعر الدكتور صالح الفهدي بشكل أساسي في هذا الاحتفال بأشعاره التي تحكي قصة تطور النهضة المباركة بمراحلها المختلفة، وقدم الفنان أيمن الناصر أغنية منفردة في هذا العرض، كما قام بدور الراوي والراوية كل من الفنان عصام الزدجالي والفنانة رشا البلوشية، وشهد العرض مشاركة (9) دول من حول العالم هي: “إيطاليا وفرنسا وسنغافورة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والأرجنتين والمكسيك والمجر وسويسرا.
ثماني لوحات
كما شارك في العرض أكثر من مائة شخص على خشبة المسرح وأربعين طفلاً عمانيًّا، وأكثر من ثلاثين عازفًا وموسيقيًّا عمانيًّا، وثلاثة من أبل الهجانة السلطانية، وفرق شعبية عمانية تقليدية، وأعضاء جمعية هواة العود التي تفضل جلالة السلطان المعظم – أبقاه الله – وأمر بتأسيسها في نهاية عام ٢٠٠٥م، شكل ذلك ثماني لوحات مختلفة وذلك أظهرت الجوانب المتعددة للسلطنة، أظهرت المواقف والإنجازات الأساسية التي وصلت إليها عمان في مختلف المراحل، واستخدم في هذه اللوحات العديد من الوسائل التقنية الحديثة العالمية، المرئية منها والسمعية، وبمشاركة موسيقى محلية وعالمية ليتم تجسيدها بأسلوب شيق ومبهر.
بدأت اللوحة الأولى “بفتح الكتاب” وهو إشارة لبدء سرد قصة عُمان، والتي تجسد تاريخ وموقع عمان الجغرافي المميز، والذي كان له الأثر الكبير في تطور وتنوع حضارة وتاريخ عُمان، أما اللوحة الثانية فجاءت بعنوان “عُمان أرض اللبان”، التي تروي تأثير الطبيعة على السلطنة، وتواصل عُمان مع الحضارات القديمة الذي كان له الأثر الكبير في النمو الاقتصادي. أما اللوحة الثالثة فأشارت إلى تاريخ عمان البحري، وهي بعنوان “الرحلات البحرية”، التي أثبتت أن علاقة العمانيين بالبحر علاقة وطيدة وأساسية لتطور تاريخ عُمان، والتي ازدهرت تلك العلاقة في القرن الثامن عبر رحلاتها التجارية مع الصين في أقصى الشرق مما ساهم في الازدهار الاقتصادي لعمان، والتي أظهرت القدرة البحرية لعمان كعنصر أساسي في المنطقة، بالإضافة إلى تواصلها مع شرق إفريقيا، والذي ارتبط بها لفترة تاريخية طويلة عبر مساهمة الملاحين العمانيين في خدمة الملاحة العالمية من خلال قدراتهم وخبراتهم الطويلة مع البحر، وتواصلهم مع الحضارات المختلفة مما كان له الأثر الكبير في التبادل الفني الموسيقي عبر المشاركات المتبادلة. أما اللوحة الرابعة فجاءت بعنوان “طريق الحرير” وهو الطريق الذي ربط حضارات الشرق والغرب مما كان له الأثر الكبير في تقارب الشعوب، من خلال التبادل التجاري، والتواصل الإنساني ، الذي أتاح الفرصة للشعوب للتعرف على الحضارات والعادات التقليدية المختلفة خاصة من خلال التبادل الموسيقي والعناصر المصاحبة له، والذي ساهم في نشر الثقافات المتعددة ليس فقط في منطقة “طريق الحرير”، بل في أوروبا وأميركا. فيما جسدت اللوحة الخامسة “السيف والخنجر” واللذين يعتبران رمز الفخر والاعتزاز لكل عُماني والعلاقة التاريخية المرتبطة بينهما ، حيث يرمزان إلى أدوات الدفاع عن الوطن والمجتم. ومثلت اللوحة السادسة عصر “نهضة عُمان”، التي خطط لها باني عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ ٢٣ يوليو ١٩٧٠ وحتى يومنا هذا، وفق خطط وأهداف مدروسة، أظهرت نتائجها الملموسة عبر السنوات المجيدة لعمان الخالدة. أما اللوحة السابعة فعبرت عن “عُمان واحة السلام، أرض الغد المُشرق” الذي هو نتاج السياسة المتوازنة والحكيمة لعاهل البلاد المفدى على المستويين الداخلي والخارجي، والتي أصبحت السلطنة بفضل حكمته واحة للسلام والإشراق للغد الواعد، الراسخ على قواعد التاريخ الصلبة. فيما جاءت اللوحة الثامنة والختامية مجسدة “دار الأوبرا السلطانية مسقط” كدار ثقافية عالمية، وفق ما أشار إليه حضرة صاحب الجلالة ـ أبقاه الله – في كلمته الافتتاحية لدار الأوبرا السلطانية ـ مسقط ـ في أكتوبر ٢٠١١، الذي أكد أن الدار تأسست “لتكون مركز إشعاع ثقافي للشعب العُماني والإنسانية جمعاء”، حيث تجسد هذه اللوحة اندماج الفنون الموسيقية العالمية، مع الفنون المحلية، والمعزوفات المنفردة والمجتمعة المتناغمة، وتعتبر الدار مركزًا للثقافة المحلية والعالمية التي تساهم في تجانس وتقارب الحضارات والمجتمعات عبر التعرف والتعريف، حيث إن هذا الصرح أسس ليكون نداء ثقافيًّا وإنسانيًّا يشع من أرض السلام عُمان.
هذا الإنتاج الضخم يحمل أهمية كبرى نظرًا للكفاءات العالية المشاركة به والشراكات الدولية مع أرقى الشركات الدولية المتخصصة في هذا المجال، والقاسم المشترك بينها هو الكلمات العُمانية، والأصوات العُمانية، والفنون العُمانية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن