رغم المحاولات المتكررة لتجميل وجه الاحتلال الإسرائيلي، سواء بالدعاية المكثفة أو بممارسة الضغوط على المنظمات الدولية، وسواء كانت هذه الضغوط تمارس من خارج المنظمات أو من قبل القائمين عليها تجاه العاملين فيها، فإن الوجه العنصري القبيح للاحتلال يظل هو الظاهر من خلف كل عمليات التجميل؛ لأن هذا الوجه هو المعبِّر عن الواقع الملموس.
ومن ضمن محاولات التجميل يأتي الموقف الأخير للأمم المتحدة والمتمثل في تقديم الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) استقالتها بعدما طلب منها الأمين العام سحب تقرير أكدت أنه يتضمن اتهامات لـ”إسرائيل” بأنها أقامت نظام فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد قالت ريما خلف الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) في مؤتمر صحفي في بيروت “أصدر الأمين العام تعليماته لي صباح الخميس بسحب التقرير، طلبت منه أن يراجع موقفه فأصر عليه. وبناءً على ذلك تقدمت إليه باستقالتي من الأمم المتحدة”.
والتقرير أعدته منظمة اسكوا التي مقرها في بيروت وتضم 18 بلدًا عربيًّا بينها دولة فلسطين كعضو كامل العضوية بحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة. ومهمتها تعزيز التعاون والتنمية.
وجاء موقف الأمين العام بعدما طالبت الولايات المتحدة بسحب تقرير “الاسكوا” مبدية “استياءها” من النص الذي يتهم “إسرائيل” بأنها “أقامت نظام فصل عنصري يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى”.
وبالتأكيد فإن مثل هذا الموقف لن يكون الأخير من قبل الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات في ظل محاولات تجميل وجه الاحتلال، حيث إن هذه المحاولات ستظل مصاحبة دومًا لتصاعد الممارسات العنصرية ليست بحق الفلسطينيين بالأراضي المحتلة بعد العام 1967 فقط، بل أيضًا وسط صفوف عرب 48.
وهذه العنصرية لا تحتاج لتقارير لإثباتها؛ لأنها واقع ملموس ومتكرر بشكل يومي حتى باتت جزءًا من حياة الشعب الفلسطيني.
فالاعتقالات والمداهمات وجرائم الإعدام الميداني ومصادرة الأراضي لصالح المستوطنين وإطلاق يد هؤلاء الأخيرين لممارسة إرهابهم بحق الفلسطينيين، وأيضًا حصار غزة برًّا وبحرًا كلها ممارسات عنصرية تمارس بشكل يومي وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع، ناهيك عن أن الطلب بسحب التقرير لا يعد دفاعا عن هذه العنصرية الإسرائيلية فحسب، وإنما تشجيع على ممارستها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل وصاحب القضية الأعدل.
بل ولعرب 48 أيضًا حظ وفير من عنصرية الاحتلال الذين طالهم نهج الاحتلال في قضم الأراضي وهدم المساكن، مع الاعتداءات المتكررة عليهم من قبل عناصر شرطة الاحتلال، والفصل من العمل على خلفية الانتماء والتمييز في مخصصات التعليم والصحة، بل وتقنين هذه العنصرية عبر سن الكنيست لعدد من القوانين التي تعزز التفرقة العنصرية، وترسخ لما يسمى (يهودية الدولة) مثل قانون الجنسية الإسرائيلية، الذي يخول المحكمة سحب المواطنة من كل من يدان في مخالفة تمس بأمن “الدولة”، والقسم لمن يحمل الهوية الإسرائيلية بـ”يهودية الدولة”، بما يهيئ لسحب الهوية ممن لا يقبل ذلك من العرب، وطرده من أرضه. وقانون خصخصة أراضي اللاجئين الذي يمكن سلطات الاحتلال من نقل مساحات شاسعة من الأراضي المصادرة من الفلسطينيين إلى “إسرائيل” وغيرها من القوانين.
وفي ظل هذا المنحى العنصري المتصاعد للاحتلال كان حريًّا بالأمم المتحدة بدلًا من ممارسة الضغوط على موظفيها تشكيل لجنة تحقيق بشأن ما ورد بالتقرير سعيًا على الأقل لإبعاد شبهة التحيز عنها.
المصدر: اخبار جريدة الوطن