لا يخلو سوق العمل من تحديات تتعدد أشكالها وصورها، واضعة جدران عازلة عالية أمام تطلعات الشباب الراغبين في انتهاج العمل الحر والمشاريع الفردية، وبناء مؤسسات صغيرة ومتوسطة، بعيدًا عن روتين الوظائف الإدارية المعطل أغلبها للطاقات، والحاجر للعقول والأفكار من الانطلاق نحو سماوات الإبداع والابتكار والمنافسة وغزو العالم بإنتاجاتها، ما أدت هذه التحديات إلى ضعف مشاركة الشباب خاصة، وعموم المواطنين عامة في سوق العمل، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل.
وتعد الأحداث والتطورات الاقتصادية والسياسية الراهنة ـ فضلًا عن أنها تحديات إضافية ـ أسبابًا موجبة للتحرك نحو حلحلة التحديات والنظر إليها بشيء من الجدية والمصداقية والشفافية، والأخذ من نتائجها العبرة والعظة، والاتجاه نحو خلق ثقافة عمل داخل المجتمع تتأسس على الاعتماد على الذات، وعدم انتظار الوظائف أو الفرص الحكومية، وعدم الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة، فمقياس التقدم والتحضر هو أن يُبنى الوطن بسواعد أبنائه، وليس بأيدي الآخرين، مع عدم إنكار الدور الذي قامت به الأيدي العاملة الوافدة في البدايات، لكن ليس من الكياسة والسياسة أن يستمر هذا الدور إلى ما لا نهاية، في الوقت الذي تتكدس فيه المخرجات وتزداد فيه أعداد الباحثين عن عمل، ويقابله ازدياد في أعداد الأيدي العاملة الوافدة، لأنها ستكون في مرحلة ما عبئًا تنعكس آثاره على الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني.
وفي هذا الصدد تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إحدى الخطوات التي تضع بها بلادنا قدمًا أولى على طريق خلق ثقافة العمل والاعتماد على الذات، مع أهمية إعطاء المبادرين إلى تكوينها الثقة اللازمة، وتوجيههم ودعمهم بالأفكار ودراسة الجدوى، وتمتاز هذه المؤسسات بأنها تتوافر بها وظائف متعددة تستوعب باحثين عن عمل، فهي تمتلك القدرة على استحداث فرص عمل جديدة بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عن طريق استخدامها لأشخاص آخرين، ومن خلال الاستحداث لغرض العمل، يمكن أن تتحقق الاستجابة السريعة للمطالب الاجتماعية في مجال الشغل، خصوصًا وهي تتسم باستخدام تكنولوجيا بسيطة، كثيفة العمل. كما تمتاز بأنها أداة فعالة لتوطين الأنشطة الاقتصادية المختلفة في المناطق البعيدة، ما يخفف من نزوح المواطنين للعمل في العاصمة مسقط، لتتوازى التنمية وتترقى بكافة المحافظات والولايات المختلفة.
غير أن عملية تمكين هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تزال خجولة رغم الجهود المبذولة والواضحة للعيان، وهو ما يتطلب من الجهات أو الشركات الكبرى التي تمتلك مشاريع وبيئة عمل واسعة ونشاطات متعددة أن تبادر إلى إسناد مشاريع وحلقات إنتاجية إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة. وتبدو الضوابط الجديدة التي أصدرتها هيئة المنطقة الاقتصاديةالخاصة بالدقم لتعظيم مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مشروع تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم إحدى المبادرات الوطنية المطلوبة لتمكين هذه المؤسسات من الاستفادة من المشروعات التي يجري تنفيذها بالمنطقة الاقتصادية، حيث نص قرار الضوابط الجديدة على أن تتولى دائرة الشراكة والتنمية بالهيئة تحديد فرص الأعمال الممكن إسنادها إلىالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالمشاريع الحكومية بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم. وألزم المقاولين بالإعلان عن الأعمال المتاحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالصحف اليومية بالتنسيق المباشر مع دائرة الشراكة والتنمية،على أن تتولى الدائرة التنسيق مع مديري المشاريع والاستشاري الخاص بكل مشروع، متابعة المقاولين للتأكد من أنه تم الإعلان عن الفرص المتاحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة خلال مدة تنفيذالمشروع.كما ألزم القرار المقاولين باستئجار الآلات والمعدات اللازمة لتنفيذ المشروع من المواطنين وفق الضوابط المعتمدة من الهيئة،على أن تُمنح الأولوية لسكان ولاية الدقم من المواطنين والمواطنين من الولايات الأخرى بمحافظة الوسطى من خلال الإعلان عنها بالصحف المحلية، كمايمكن للمقاولين شراءالآلات والمعدات من السوق المحلية بالسلطنة، وفي حال عدم توافرها من قبل المواطنين أوالسوق المحلية يتم السماح للمقاولين باستيراد الآلات والمعدات من خارج السلطنة بالتنسيق مع دائرة الشراكة والتنمية. ولم يغفل القرار إيقاع العقوبة على المخالفين بوقف الترخيص الصادر للمشروع أو فرض غرامة إدارية.
حتمًا إن هذا القرار يثلج صدر أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ويشجع الراغبين، وسيحظى بالاحترام والتقدير إذا ما نُفذ بصرامته التامة، كما أنه يعد مثالًا يجب أن تحذوه باقي الجهات والشركات الكبرى، وتتنازل عن شيء من أنانيتها لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، ويرسي قاعدة اقتصادية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن