شكلت البيئة إحدى القضايا التي نالت أولوية في قائمة الاهتمام منذ فجر النهضة المباركة، فجاءت كل الإجراءات والقوانين والتشريعات الخاصة بسلامة البيئة ونظافتها نابعة من الرؤية الحكيمة لباني نهضة عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمية أن تنتهج المسيرة التنموية والنهضوية نهجًا متوازنًا يجمع بين الحرص على استمرارية واستدامة مسيرة التنمية بأبعادها كافة من جهة، وكذلك الحرص على استدامة البيئة من خلال حمايتها والمحافظة عليها، عبر حماية الحياة الفطرية من جهة أخرى. كما نبعت تلك التشريعات والقوانين من أهمية الأخذ بالمعايير الدولية المعمول بها في شأن السلامة البيئية، وكل المواثيق التي نصت على احترام التوازن البيئي وخفض انبعاث الغازات الضارة، بل لا تزال السلطنة تشدد على عدم الإضرار بالبيئة والمساس بها، وأخذت على عاتقها أن تتخذ من المنظمات الدولية منصة متقدمة للدعوة إلى ضرورة احترام البيئة، وإيلاء القضايا البيئية الاهتمام الضروري واللازم انطلاقًا من أن سلامة البيئة هي سلامة الكائن البشري وكل الكائنات الحية.
وليس بخافٍ على أحد اليوم المسببات التي تهدد البيئة وسلامتها، بل تهدد كوكب الأرض بأكمله، والدور الكبير للقوى الكبرى في هذا العالم في مساهمتها الكبيرة في الاحتباس الحراري والتلوث البيئي، والتي ـ للأسف الشديد ـ لم تكترث لما يعانيه العالم اليوم من كوارث بيئية وطبيعية، ولم تعبأ بأي مناشدة صادقة بالالتفات إلى أهمية البيئة والحفاظ عليها، وأن سلامتها هي السبيل الوحيد نحو الحد من هذه الكوارث، وإمعانًا في ذلك أخذت تدير ظهرها للمناشدات العالمية، ولعل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ مؤخرًا هو أقرب الأدلة على حقيقة الأسباب والمسببات التي تهدد كوكب الأرض، حيث الأنانية تفرض ذاتها على أي عمل جماعي دولي محمود يحاول تقديم شيء ولو متأخرًا لإنقاذ هذا الكوكب.
إن احتفال السلطنة ممثلة بوزارة البيئة والشؤون المناخية اليوم “بيوم البيئة العماني” والذي يصادف الثامن من يناير كل عام والذي يأتي بناءً على التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يعكس حجم الاهتمام والدور الكبير الذي تبذله السلطنة تجاه البيئة وسلامتها. كما يؤكد أن السلطنة كانت وستظل سباقة في مجال حماية البيئة، وتقدم على الدوام المثال الذي يحتذى ويجب أن يحتذى، والتنبيه على أهمية الموازنة بين حماية البيئة وتفعيل برامج التنمية، فهذا الاحتفال وتخصيص يوم عماني للبيئة ـ في حد ذاته ـ رسالة أخلاقية والتزام أدبي للعالم أجمع وخصوصًا للمسيئين للبيئة والمتنكرين لأهميتها والناكرين لفضائلها وارتباطها بصحة الإنسان، وبذلك تحتفظ السلطنة لذاتها بدور الريادة في مجال حماية البيئة عبر العالم، مع أن حماية البيئة شأن جماعي ذو طابع شمولي عام لابد أن تتوزع مسؤولياته على العالم أجمع. كما يأتي احتفال السلطنة بهذه المناسبة ـ وحسب القائمين عليه ـ لدعم الجهود من أجل حماية ثرواتنا الطبيعية، ومشاركتهم الجهود العالمية المبذولة للحفاظ على موارد البيئة وصونها، بالإضافة إلى الاحتفال بما حققته السلطنة من تطورات بيئية على المستويين المحلي والعالمي في مجال حماية البيئة، وتأكيد مشاركة المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة لتوفير هذه الحماية وصون الموارد الطبيعية.
واحتضان محافظة ظفار هذا الاحتفال هو اعتراف بدور المحافظة في مجال البيئة وصونها، وإسهاماتها من خلال ما يتوافر بها من محميات طبيعية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن