لا يمكن أن تحيد عين الرائي والمتابع عن حجم الجهود التي تبذلها الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص في فتح فرص عمل مناسبة لأبنائنا الباحثين عن عمل، حيث تحتل مسألة توفير مظاهر العيش الكريم اهتمامًا بالغًا لدى مؤسس نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ فتوجيهات جلالته لحكومته للاهتمام بالموارد البشرية، من حيث التعليم والتدريب والتأهيل وتوفير الحياة الكريمة، ووضع المواطن فوق كل اعتبار، لم تغب لحظة واحدة.
واليوم حين نقف على تقارير أو إحصائيات ترصد بالأرقام أعداد الذين استقروا في أعمالهم من أبنائنا الشباب، وشملتهم مظلة التأمينات الاجتماعية، فإن هذا ـ دون شك ـ مدعاة للتقدير، والتفاؤل وسبيل للطموح بأن تشهد عملية التوظيف والاستقرار في الوظيفة ارتفاعًا مطردًا واستيعاب الباحثين عن عمل.
وحسب الإحصائيات الصادرة عن الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، فقد بلغ عدد المنشآت النشطة المشمولة بنظام التأمينات الاجتماعية بنهاية شهر يونيو الماضي (16) ألفًا و(721) منشأة بنهاية شهر يونيو الماضي، وبلغ عدد المؤمن عليهم النشطين العاملين في القطاع الخاص داخل السلطنة (230) ألفًا و(422) مؤمنًا عليه بنهاية شهر يونيو الماضي، فيما بلغ إجمالي حالات التسجيل للمؤمن عليهم خلال العام الجاري حتى نهاية شهر يونيو الماضي (35) ألفًا و(360).
صحيح أن هذه الأرقام بالمقارنة مع أعداد الباحثين عن عمل الذين هم على قوائم الانتظار تدعو إلى مضاعفتها، إلا أنه لا يقلل ما يبذل من جهود لتوفير فرص عمل مناسبة للمخرجات التعليمية، وفي الوقت ذاته تؤكد هذه الأرقام أن الساحة مهيأة لاستقبال المهارات المستعدة لإثبات الذات، وتأكيد الهوية العمانية لمصادر الإنتاج مع كل يوم يمر من عمر المعركة الاقتصادية الدائرة في عالم اليوم والتي تتسابق خلالها الشركات والمؤسسات الاستثمارية على غزو الدول الناشئة غزوًا مزدوجًا عبر سلاحي رأس المال واليد العاملة المدربة.
وحين نعلم أن أغلبية المؤمن عليهم النشطين تتركز في الفئة العمرية (26-30) سنة خلال شهر يونيو 2018م وبما نسبته 7ر22 بالمئة من إجمالي المؤمن عليهم النشطين، وأن متوسط أجر الاشتراك لإجمالي المؤمن عليهم النشطين بلغ (687) ريالًا عمانيًّا، فإن الأمر يدعو إلى التأكيد على أهمية التدريب للكوادر الوطنية من القوة البشرية التي يطلبها سوق العمل، حيث تتعدد مجالات التدريب، مع إيلاء التدريب على رأس العمل أهمية كبيرة لاعتبارات كثيرة منها أن الذي يحصل على فرصة للتدريب على رأس العمل تتكون لديه المعرفة لطبيعة الوظيفة وإيجابياتها وسلبياتها وتحدياتها، ومن خلال ذلك يمتلك الأدوات اللازمة للتعامل مع الوظيفة والسير فيها، وهذا في المقابل له آثاره لدى صاحب العمل أو صاحب المنشأة فتتولد لديه الفكرة الوافرة واللازمة عن قدرات من تلقى التدريب على رأس العمل، وبالتالي تنشأ الثقة المطلوبة بينهما، فضلًا عن أن ما بذلته المنشأة أو المؤسسة من وقت وجهد ومال للتدريب على رأس العمل لن تضيع وسيعود لصالحها.
وعلى الجانب الآخر يمثل التأمين الاجتماعي على العاملين أهمية كبرى في بناء الثقة، وكسر حواجز كثيرة لدى الباحثين عن عمل، الذين عادة ما ينظرون إلى معاشاتهم ما بعد انتهاء الخدمة أو التقاعد أيًّا كان نوعه، لذلك تبقى مسألة ارتفاع معاشات ما بعد انتهاء الخدمة تحديًا كبيرًا ليس لدى الحكومة وحدها، وإنما لدى العاملين والمؤسسات الخاصة، وهنا لا بد من إدراك أمر مهم أيضًا وهو أنه كلما ارتفعت أعداد المؤمن عليهم كانت لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية قدرة على استثمار عائدات التأمين بما يمكنها من تحسين معاشات ما بعد انتهاء الخدمة، بحيث تعيد النظر في المعمول به حاليًّا من جهة نسب الاستقطاع والاستحقاق، ونعني به الراتب الأساسي وإضافة إليه بعض العلاوات التي سترفع ما سيتقاضاه المتقاعد، الأمر الذي سيحفز المترددين من الباحثين عن عمل على الإقبال على العمل في القطاع الخاص.
المصدر: اخبار جريدة الوطن