بينما تتوالى العراقيل التي يضعها يوميًّا كيان الاحتلال الصهيوني على طريق المفاوضات التي أطلقتها حليفته الاستراتيجية الولايات المتحدة، نجد أن مواقف دول أوروبية لا تزال خجولة عن القيام بجهود أكثر وممارسة ضغوط أكبر على صديقها وحليفها الكيان المحتل، لتبدو في صورتها متشابهة تمامًا وتابعة في الوقت ذاته للمواقف الأميركية من جوهر الصراع، وبالتالي فإن هذه المواقف الخجولة تُقرأ “إسرائيليًّا” على أنها ضوء أخضر وتأييد لتحرك الآلة الاستيطانية نحو مواصلة نهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية، باعتبار أن الاستيطان بات أكبر العقبات أمام نجاح المفاوضات، وأن هذه المواقف الأوروبية الخجولة لا تتمايز عن المواقف الأميركية بشيء سوى أنها محاولة لذر الرماد في عيون الفلسطينيين والعرب، وذلك لإيهامهم بأن الأميركي والأوروبي جادان في مساعيهما فيما يخص المفاوضات وبلورة حل ينهي الصراع العربي ـ الصهيوني، وينصف الشعب الفلسطيني.
ووفقًا لهذا التقدير، جاء صريحًا ودون خوف أو وجل وصف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني استدعاء عدد من الدول الأوروبية لسفراء كيان الاحتلال الصهيوني بـ”النفاق” على ما قيل إن الاستدعاء كان احتجاجًا على إعلان الكيان المحتل عزمه القيام ببناء ألف وأربعمئة وحدة استيطانية جديدة (ثمانمئة وحدة استيطانية في الضفة الغربية وستمئة وحدة استيطانية في القدس الشرقية). ولم يكتفِ كيان الاحتلال بالوصف وإنما أتبعه بخطوة مقابلة حيث قام باستدعاء سفراء الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا) التي استدعت سفراءه، معتبرًا موقفهم الذي وصفه بـ”المنحاز” دائمًا ضده والمؤيد للفلسطينيين أنه غير مقبول ويوحي بأنهم لا يفعلون سوى البحث عن وسائل للوم كيان الاحتلال الصهيوني.
وحاول نتنياهو أن يبرر وصفه حلفاءه بـ”النفاق” بتساؤله: الاتحاد الأوروبي يستدعي السفراء بسبب بناء بعض المنازل، متى استدعى الاتحاد الأوروبي سفراء فلسطينيين حول التحريض على تدمير “إسرائيل”؟ وطبعًا مثل هذه التبريرات مردود عليها من خلال حركة التاريخ التي حاول قادة الاحتلال الصهاينة ـ ولا يزالون ـ أن يجيروها لخدمة كيانهم بتشويه الحقائق وطمس كل ما يمت تاريخيًّا بصلة إلى الهوية العربية والإسلامية في فلسطين، وكذلك من خلال سياق الأحداث والوقائع التي يتبعونها على الأرض نهبًا وسرقةً للأرض الفلسطينية بصورة مستمرة، وقتلًا واغتيالًا واعتقالًا وتهجيرًا وعنصريةً بحق الشعب الفلسطيني، وإصرارًا على عدم الاعتراف بأدنى حق فلسطيني، والأكبر والأمَرُّ من ذلك هو أن كل ذلك يتم تحت سمع وبصر الحلفاء الاستراتيجيين الأميركيين والأوروبيين وبتأييد وبدفاع مستميت منهم، فالاستيطان يتم بآلاتهم وموادهم التي صنعوها وابتكروها، وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم من أرضهم وهدم منازلهم على رؤوسهم يتم بأسلحة الحلفاء الأميركيين والأوروبيين، وحين حاول قضاؤهم ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة كما هو الحال ـ على سبيل المثال ـ مع تسيبي ليفني وزيرة خارجية حكومة الاحتلال أثناء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة تدخلت سلطاتهم لمنع ملاحقتها، وبالتالي أين هذا التحريض الفلسطيني في مواجهة كل تلك الممارسات؟
لقد وضع نتنياهو حلفاءه الأوروبيين في قائمة “النفاق”، ولا ندري ما صيغة ردهم على ذلك؟ فهو قد وضعهم أمام خيارين بين أن يكونوا كذلك أو بخلاف ذلك، ولا يمكن معرفة أي الخيارين إلا بعد ما سيصدر عنهم من مواقف.. علينا الانتظار.