تمثل الهجمة الصهيو ـ أميركية غير المسبوقة على القضية الفلسطينية عبر بوابتها الكبرى المسماة بـ”صفقة القرن” اللحظة التاريخية التي من المفترض أنها قد تكاملت فيها الأسباب الداعية إلى بلورة موقف فلسطيني موحد وجامع يقتنص هذه اللحظة، تداركًا لما قد بُيِّتَ ضد القضية الفلسطينية منذ عقود مضت، ولوضع حد لهذا التمادي غير المسبوق على الحقوق الفلسطينية، وتهميش الشعب الفلسطيني، وتجريده من حقوقه كاملة.
الحقيقة التي لا مناص منها هي أن المناخ الدولي وفي المنطقة والذي يتجه إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بـ”صفقة القرن” بات مواتيًا لرؤية تحول فلسطيني إلى ما قبل العام 2005م، بل وأكثر من ذلك، انطلاقًا من همٍّ مشترك ومصير واحد، فالفلسطينيون في الضفة الغربية وفي القدس المحتلتين هم الفلسطينيون في قطاع غزة، والدم الفلسطيني لا يصير دماء، بل يجب أن لا يصير كذلك، والحقوق يجب أن لا تتجزأ، فالضفة كغزة كالقدس، بل فلسطين هي وطن لجميع الفلسطينيين دون استثناء.
إن الأسباب التي أعطت كيان الاحتلال الإسرائيلي ليتمادى ويتنمر على الحقوق الفلسطينية قد أخذت تتعدد طوال العقود الخالية؛ أي منذ النكبة وحتى اليوم، فمنها أسباب فلسطينية قدمها الفلسطينيون ـ للأسف ـ بأنفسهم إلى عدوهم المحتل، وسمحوا له بأن ينال منهم ومن قضيتهم، ومنها أسباب خارجة عن إرادتهم ولا دخل لهم بها. إلا أن العتب اليوم هو تجاه الأسباب التي صنعها الفلسطينيون أنفسهم، والعتب يكثر ويزداد مع كل يوم ومع كل ساعة ودقيقة لما تسببوا فيه من تفريط في وحدتهم وقبولهم الانزلاق نحو الفرقة والانقسام، والجري وراء منافع لا تخدم قضيتهم البتة، كما أن وقتها لم يحن. فقد سمحوا لعدوهم الإسرائيلي المحتل أن ينفذ إليهم عبر بوابة الانقسام التي أقاموها بأيديهم وبتفكيرهم، وتنازعهم على حطام لا يقيل عثرة وطنهم، فجعل كيان الاحتلال الإسرائيلي من انقسامهم كدجاجة تبيض له ذهبًا، فتمكن من تغيير الواقع والوقائع التاريخية والجغرافية، ما أصبح معه ممنوعًا صهيو ـ أميركيًّا توحدهم والتفافهم، والعمل على ضرب كل ما يقربهم من بعضهم وينهي انقسامهم، ويصل بهم إلى وحدتهم التي كانت حجر عثرة أمام عدوهم المحتل في التقدم أكثر ما حققه بداية.
لذلك تبقى خطوات التقارب بين مختلف الفصائل والمكونات الفلسطينية داخل فلسطين وفي الشتات مطلوبة لإكساب قضيتهم قوتها وإعادة بريقها وعنفوانها أكثر عن ذي قبل، وإضفاء المزيد من الشرعية والعدالة عليها، والخطوة التي تقدم بها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس باستعداده للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أي مكان يريده لمواجهة ما يسمى “صفقة القرن” خطوة جيدة وضرورية شريطة أن تعلو مصلحة فلسطين فوق كل مصلحة ذاتية أو حزبية أو فصائلية، وأن تكون المخاطر والمهددات دافعًا حقيقيًّا وقناعة ذاتية راسخة لدى كل قائد ومسؤول وفرد في كل الفصائل الفلسطينية وعلى وجه التحديد في كل من حركتي فتح وحماس، فليس هناك ما يدعو إلى التفرج والتسويف وتأجيل خطوات رأب الصدع والتحرك نحو صد الخطر عن القضية الفلسطينية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن