تمتلك السلطنة مساحة واسعة من الشواطئ، حيث يبلغ طول السواحل العمانية حوالي 3,165 كم، وقد تعاطى العماني منذ القدم مع البحار وكان في معظم العصور أحد أهم مصادر الرزق للمواطن، وعلى هذا النهج سعى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله وعاه ـ إلى ترسيخ دعائم النهضة العمانية الكبرى، التي شهد لها وبها القاصي والداني، فاستخدم العوائد النفطية لبناء شبكة من الموانئ ذات المواقع الاستراتيجية إقليميًّا وعالميًّا، بالاضافة إلى تحديث طرق الصيد وأساليبه، بشكل توافق مع ما يشهده القطاع من تقنيات عالية، إضافة إلى العمل على إدخال أحدث الطرق في الاستزراع السمكي، وغيرها من الخطوات التي تسعى إلى تعظيم الفوائد والمكاسب والقيمة المضافة من كنوز البلاد البحرية، ما يعود بالفوائد على الاقتصاد الوطني وتنويعه وعلى المواطن في سعيه للحصول على فرص عمل.
وبرغم السعي الحكومي في السلطنة للاستفادة من السواحل بشكل موسع، وإيجاد أحدث التقنيات في سبيل ذلك، فهناك خطوات حثيثة تسعى أيضًا لتوسيع مفهوم الاستفادة من مجرد مفهومه الغذائي والتجاري، إلى مفاهيم اقتصادية أرحب، عبر اتساع المفهوم الاقتصادي نحو خيارات تنموية مرتبطة بالبحر؛ تعدينية وصناعية وسياحية…إلخ، تندرج جميعها تحت مسميات اقتصاد المحيطات أو الاقتصاد الأزرق، والتي تؤدي إلى تحسين رفاهية الإنسان، وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية، مع خفض المخاطر البيئية والتغلب على مشكلة الندرة، كما أنها تهتم بضمان الاستخدام المستدام طويل المدى للمحيطات والموارد البحرية، والعمل على استغلال وتسخير الإمكانات الهائلة في خدمة الموارد الساحلية والبحرية والعمل على استدامتها.
فالواقع يشير إلى وجود أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم يعتمدون على الحياة البحرية بشكل أو بآخر في حياتهم اليومية والاقتصادية تحديدًا، حيث يولد الاقتصاد الأزرق أو اقتصاد الميحطات ما يقارب 83 مليار دولار للاقتصاد العالمي سنويًّا، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الأزرق العالمي بشكل أسرع من الاقتصاد العام، وربما يتضاعف حجمه بحلول عام 2030، فالقيمة السوقية للموارد والصناعات البحرية والساحلية بمبلغ 3 تريليونات من الدولارات الأميركية سنويًّا، أو نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وللحفاظ على تلك الثروات يجب حفظ الموارد البحرية واستخدامها المستدام، وتطوير الوعي العالمي حول استدامة المحيطات من خلال دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا، أضف إلى ذلك تسليط الضوء على تكنولوجيا المستقبل، والابتكار في مجال اقتصاد المحيطات، وتشجيع التعاون الدولي في مجال اقتصاد المحيطات.
ومع أهمية هذا النوع في الاقتصاد وطنيًّا، وما يمكن أن يشكله من فارق في التوجه الوطني نحو تنويع مصادر الدخل، والدور الذي يمكن أن يحققه القطاع الخاص في هذا التوجه التنموي الحديث نسبيًّا، فإن غرفة تجارة وصناعة عُمان قد خصصت أمسيتها التي ستقام غدًا الاثنين بعنوان “أهمية اقتصاد المحيطات في تعزيز وتنويع اقتصاد السلطنة” بمقرها الرئيسي بمسقط، حيث تناقش الأمسية محور الابتكار وفرص الاستثمار في الصناعات البحرية وعددًا من المحاور الأخرى منها الاستزراع السمكي والصيد في السلطنة، واللوجستيات البحرية والصناعات الداعمة، إضافة إلى فرص الطاقات المتجددة وإنتاج المياه من المحيطات. ومن المؤمل أن تحظى هذه الأمسية كغيرها من الأمسيات السابقة بالثراء في النقاش والآراء والأفكار البناءة التي تخدم هذا القطاع، والتي يمكن الاستفادة منها والبناء عليها.
المصدر: اخبار جريدة الوطن