في الوقت الذي يدفع فيه اليمن فاتورة الإرهاب الضارب أطنابه في مختلف مفاصل الجمهورية، فإن التصادم في الأفكار والمصالح شكل حالة بين الأطراف الأصيلة في الحراكات السياسية المتمثلة في الأحزاب والقوى اليمنية، ما جعل اليمن يعاني شبه فراغ سياسي، فاتحًا المجال أمام تنظيم القاعدة الإرهابي والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اليمني، ما ضاعف الثمن المدفوع على حساب استقرار اليمن ووحدته وترابطه، وعلى حساب تلك الأفواه المقدرة بالملايين الباحثة عن فرصة عمل ولقمة عيش كريمة، حيث جاءت الأحداث بعد نقل السلطة من الرئيس علي عبدالله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي الذي انتخب رئيسًا لفترة انتقالية وفق “المبادرة الخليجية”، مغايرة لكل التوقعات التي كانت القراءة السياسية لعملية نقل السلطة تقول بأن المبادرة ككل تمثل مخرجًا ضامنًا لاستقرار اليمن ووحدته، وسبيلًا إلى تقديم المساعدات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار فيه، وبالتالي لم يكن أحد يتصور أن يضع اليمنيون أنفسهم في دائرة ممتلئة بالاختلالات السياسية والأحداث الأمنية المأساوية، لتصبح أجزاء من اليمن في قبضة تنظيم القاعدة وفي مواجهات دامية بين مكونات للمجتمع اليمني، حيث كانت الغالبية من الشعب اليمني ومن المتابعين للشأن اليمني لديهم تفاؤل وأمل كبيران في سرعة رؤية الضوء في نهاية النفق، مراهنين على أن “المبادرة الخليجية” التي رتبت اتفاق نقل السلطة ستكون فتحًا مبينًا لليمنيين واستعادة يمنهم لسعادته.
ووسط هذا الوضع يظل مؤتمر الحوار الوطني في اليمن فرصة ملائمة لإنقاذ اليمن “شمالًا وجنوبًا” من براثن التمزق والتنافر ومن المعاناة السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، ورافعة للعمل الوطني والشعور بالمسؤولية تجاه اليمن ونقل كافة الشعب اليمني بمن فيه الأفرقاء والأحزاب إلى العمل الديمقراطي والمؤسسي، فالأنباء الواردة من اليمن حول المؤتمر تبعث على التفاؤل بانتصار المعنيين والأفرقاء على ذواتهم لصالح يمنهم، حيث أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي أن مؤتمر الحوار الوطني في بلاده، أنهى أعماله على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، وأن البحث يجري لإيجاد حلول لقضيتي جنوب اليمن وشماله، مؤكدًا أن “اليمنيين توصلوا إلى وثيقة جامعة بعد استكمال مؤتمر الحوار تخرجهم إلى بر الأمان بعد أن تنازلت كل القوى السياسية عن مصالحها الخاصة لصالح اليمن الجديد”. أما مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر فأكد أن “مخرجات الحوار توصلت إلى الاتفاق على أن القضية الجنوبية وإعادة بناء الوحدة على أسس ديمقراطية في إطار دولة موحدة، والاتفاق على مجموعة ومصفوفة من المبادئ تؤسس للدولة الجديدة وتم الالتزام بعدد من الإجراءات والضوابط التي يفصلها الدستور اليمني بشكل أكبر”.
ما من شك أن هذا الاتفاق يمثل الأرضية التي يمكن عليها بناء يمن مستقر وموحد وآمن ومنتعش اقتصاديًّا، يمن قادر على حل كافة المشكلات التي تواجه المواطن اليمني بصورة يومية، سواء على مستوى معيشته أو تعليمه أو صحته، ولذلك فإن هذا الاتفاق الآن بحاجة أكبر إلى الانتصار على الذات مثلما كان داخل أروقة المؤتمر ليرى مضمونه النور على أرض اليمن وأمام مرأى ومسمع الشعب اليمني والعالم أجمع، فالاتجاه يجب أن يتحول لصالح اليمن وقاعدة “لا غالب ولا مغلوب” ينبغي أن توظف لأجل اليمن وحده، فالمواطن اليمني الذي يكابد الحياة وأوجاعها وبؤسها في الجنوب، شقيقه ومواطنه في الشمال هو الآخر يكابد الحياة وأوجاعها وبؤسها، لذا نشد على أيدي أشقائنا اليمنيين أن يرأفوا بوطنهم، وألا يتركوه عرضة للضياع والبؤس والتدخلات الخارجية التي يريحها استمرار هذا الوضع رغم دموع التماسيح التي تذرف، فما أريق وما استنزف من دماء وموارد، وما عطل من طاقات كافٍ. وندعوهم إلى الانتقال سريعًا إلى العمل الديمقراطي والمؤسسي وضمان وحدة اليمن.