مع نفحات شهر يوليو المجيد، وهو الشهر الذي انطلقت فيه نهضتنا المباركة، عندما أعلن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ موعد إشراق شمس النهضة المباركة، وعودة البلاد إلى ماضيها التليد، يأخذ الحنين أجيالا عايشت النهضة ونمت في ظلالها الوارفة، وشعرت بالتطور اللحظي الذي شهدته البلاد في ظل القيادة الحكيمة لجلالته ـ أبقاه الله ـ في كافة القطاعات التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية، وملأوا جعبتهم بذكريات ملحمية، ستظل تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، ليعلم أبناء الحاضر والمستقبل كيف بنيت هذه البلاد، وكيف تحول البؤس والفقر إلى حداثة ورفاهية وعدالة يشهد بها القاصي والداني، وكيف أضحت الأحلام المستحيلة واقعا ملموسا بسواعد عمانية، آمنت برؤية قائدها، وآمن جلالته بقدراتهم وعزيمتهم التي لا تلين.
إن الحديث عن يوم النهضة المباركة لا يجب أن يقتصر على جانبه الاحتفالي بما تم إنجازه على مدار 49 عاما من عمر هذه النهضة المباركة، لكنه أضحى بحكم هذه العقود المتوالية فرصة للتعلم، والتعرف عن مواطن القوة والازدهار، والتعرف على أهم التحديات التي واجهت مسيرة النهضة، وكيف تم التغلب عليها، واجتياز العقبة بعد العقبة، والعمل دون ملل أو كلل، بهدف وحيد هو رفعة هذا الوطن وتأمين مستقبل أفضل من السعادة والرفاهية لأبنائه العظام، الذين سطروا تاريخا بعزمهم وإرادتهم التي لا تكل ولا تهدأ، وبفضل توجيهات حكيمة من قائدهم المفدى، الذي وعد فأوفى، وقال غدا ستشرق الشمس، فعم النور كافة ربوع البلاد، واستنهضت من كبوتها وفتحت أبوابها المغلقة نحو العالم فاكتسبت احترام الجميع.
إن الاحتفال بيوم النهضة واجب وطني لكل مواطن، ليس لأنه مناسبة وطنية أحدثت الفارق في حياة هذه البلاد فقط، ولكنها مناسبة نجد فيها فرصة نجدد فيها العهد بتمجيد وتجديد دور بلدنا الحضاري والفكري، الذي عاد من أفوله في العام 1970م، وعمل بكل طاقاته وإمكاناته من أجل مستقبل أفضل تحولت فيه كل الآمال والطموحات إلى واقع مشهود ماثل للعيان لا يحتاج إلى دليل أو برهان، فكما أن هذه المناسبة الوطنية الغالية فرصة لرصد مسيرة البناء والتطور المشمول بالعزم والإصرار الحازم من أجل ضمان النصر والتغلب على العقبات والصعاب. وبالجهد والتفاني والإخلاص في العمل، وبالتكاتف والتساند بين القيادة والمواطنين، فهي فرصة أيضا لبث جهود وإخلاص الآباء في نفوس الأبناء العطشى في المضي قدما في ظل هذه النهضة المباركة.
فالذكرى التاسعة والأربعون للثالث والعشرين من يوليو المجيد ما هي إلا امتداد لعطاء النهضة الزاخر، الذي طال كل بقعة في أرضنا الطاهرة، والذي تدفق بالخير والنماء أينما حل زارعا للخصب والرخاء، مبشرا بغد أسعد وأمجد، وهو امتداد للإرث العظيم الذي أسهمت به عمان على امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية، وتعرفها على العديد من الحضارات والثقافات، ما كان له أثر بارز في البناء الحضاري الذي شاده الآباء والأجداد، وصاغته الأجيال المتعاقبة تراثا حيا خالدا يجسد ملامح التاريخ وملاحمه، واستنبطنا منه حاضرا سيكون من أكثر النقاط المضيئة في تاريخنا التليد، حيث كان جلالته ـ أعزه الله ـ دوما يحث المواطنين على العمل المستمر، وعدم الاكتفاء بالمكانة التاريخية، مطالبا جلالته أبناءه ألا يكون تاريخنا غاية نفخر بها ونقف عندها، مكتفين باجترار الماضي، لكن علينا دوما أن نعمل بذهن متوقد، وفكر متجدد، وروح وثابة تطمح إلى ارتياد الآفاق، لا تنثني عن مطلبها إلا غالبة ظافرة، ملء إهابها النصر المبين، لزاما علينا أن نبني كما بنوا، بل وأفضل مما بنوا، مستلهمين من عطائهم الإنساني العظيم دافعا إلى البناء والتعمير، وحافزا إلى مزيد من الرقي والتطوير، في تلاؤم مع العصر ومتطلباته، وتواكب مع التقدم العلمي الخارق ومقتضياته.
المصدر: اخبار جريدة الوطن