احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / رأي الوطن : ذكرى الهجرة النبوية دروس وعبر

رأي الوطن : ذكرى الهجرة النبوية دروس وعبر

يتجدد الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الزكاة وأزكى التسليم كل عام، إلا أنه وعلى الرغم من هذا التجدد واهتمام المسلمين بهذه الذكرى الخالدة للاحتفاء بها وتدارس أحداثها وأسبابها ومآلاتها ونتائجها، وما حفها من أخطار، وما حققته من ثمار، فإن الاحتفال لا يتجاوز ما يتذاكر من معاني وأحداث هذه المناسبة العطرة المجالس التي يقام الاحتفال فيها، بل تكاد هذه المعاني والدروس والعبر للمناسبة محصورة في يوم حدوث الذكرى، وهذا مما يؤسف له، وهذا ما يعبر عن أن الناس أو جموع المسلمين اشتغلت عن دينها الإسلامي، وألهتها متع الحياة ومظاهرها، ومنعها افتتانها بالحضارات الغربية، وحاد بها الغزو الثقافي والإعلامي والخطاب المعادي عن فطرتها السليمة، وعن مقاصد دينها وشريعته وحكمه.
كم هو مؤلم ومحزن أن تدخل رسالة الإسلام اليوم عامها الحادي والأربعين بعد أربعمئة وألف، والمسلمون في شتات من الأمر، وانقسام وتفكك وتشرذم، احتكموا إلى أعدائهم، وسلموهم زمام أمرهم، والذين أوردوهم موارد الهلاك والبلى، والفتن، فأصبحت الفتن الطائفية والمذهبية المقيتة التي نجح أعداؤهم في تظهيرها وتأجيجها، مستعينين بضعاف النفوس وأصحاب الهوى والمصالح، وتجار الحروب والدين هي الداء المستطير الذي يفتك بأمة الإسلام.
ومما يؤسف له أن يتغافل المسلمون عن شريعة دينهم وأحكام كتابهم وتوجيهاته، وإرشادات سنة نبيهم، وعن أخلاقه وتساميه في القول والفعل، فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض، كما وصفته بذلك السيدة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه، فقالت: كان خلقه القرآن. وحين ينظر المتابع والرائي إلى الأخلاق العظيمة للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وإلى واقع المسلمين اليوم، ويقارن حالهم اليوم بحال المسلمين الأوائل (الصحابة والتابعين وتابع التابعين والعلماء والمشايخ الأجلاء) ليجد البون الشاسع، فيزداد اندهاشًا وحسرةً وألمًا وكمدًا، لا سيما حين يرى اليوم سيف المسلم يرتفع في وجه أخيه المسلم، وحين يرى البندقية وقد حملها من يقول لا إله إلا الله مصوبة على صدر أخيه المردد للشهادة ذاتها، ويرتفع منسوب الألم والكمد حين يرى رصاصة المسلم قد اخترقت رأس أخيه المسلم، وحين يرى رمح المسلم قد انغرس في قلب أخيه المسلم، ويرتفع منسوب الألم والكمد والحسرة أكثر فأكثر حين يرى يد المسلم أو يد من هو محسوب على الإسلام والمسلمين تصافح يد عدو ملطخة بدماء المسلمين، وبغبار التدمير والتدنيس لبلاد المسلمين ومقدساتهم.
صحيح أن مناسبة ذكرى الهجرة النبوية لها مكانة عظيمة لدى كل مسلم، لكن يجب أن تكون هذه المكانة لها مفاعيلها في السلوك وفي الروح وفي النفس وفي كل شيء، أو على الأقل الإمساك عن الأذى وحفظ الجوارح، ففي حادثة الهجرة النبوية دروس وعبر ومواعظ كثيرة تدعو المسلم إلى أن يأخذ بها ويتحلى بها، ويجعل من صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام قدوة، مستذكرًا البدايات الأولى التي عايشها الرسول صلى الله عليه وسلم، والملمات والصعوبات التي أحاطت به، والتي دفعته إلى اتخاذ خيار الهجرة التي رأى فيها وسيلة ينتصر بها على ما سامه وأصحابه أشد العذاب وكال إليه الشتائم والاتهامات، فكانت خير وسيلة، وسيلة سلمية ترفع بها عن أعدائه، وتسامى بأخلاقه، وحمى صحبه والدعوة الإسلامية، وهذه الوسيلة السلمية مكنته فيما بعد من إرساء أسس الدعوة الإسلامية، وقواعد الدولة الإسلامية التي انطلقت منها الدعوة إلى التوحيد، وبزغ عبرها نور الهداية والإسلام.
نعم، نطوي اليوم عامًا هجريًّا ونستهل عامًا جديدًا، إلا أنه من الجدير والواجب على كل مسلم يردد الشهادتين صادقًا، ويعبد الله مخلصًا أن يجعل من هذا العام فرصة لتدارس المعاني الجليلة الكامنة في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، ويتخذ من رسوله الكريم رسول الرحمة والمحبة والأخلاق العظيمة أسوة في حياته فينجح في تحقيق سعادته في الدنيا والآخرة.
وبهذه المناسبة نتقدم بالتهنئة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ولكافة المواطنين والمقيمين والعرب والمسلمين سائلين المولى العلي القدير أن يعيدها على الجميع وهم بأحسن حال ومآل.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى