الصحافة هي عصب المعرفة في المجتمعات، وأحد خطوط الدفاع في أي دولة، وهي أهم وسيلة لصناعة الرأي العام والتأثير فيه وتوجيهه، وإحدى المرايا العاكسة للزخم التنموي والاقتصادي ومظاهر التقدم والتطور الذي تشهده الدولة.
لقد كانت الصحافة العمانية ـ وما زالت ـ شريكة في البناء والتنمية، وتستمد شموخها من مواكبتها لإطلالة بشائر عصر النهضة المباركة الذي أرسى قواعده حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ فواكبت هذا العصر الزاهر، وانصهرت في الوقت ذاته داخل عملية التنمية لتكون منظومة عاكسة لما يجري تطويره، وما يُبذل من جهد وعطاء، وكانت الأداة المرنة التي تنقل الإنجازات على أرض الواقع للمواطنين، وفي نفس الوقت تبث رسائلهم ومطالبهم عبر صفحاتها، وتتزين صفحاتها ببشائر التعمير والتطوير أولًا بأول.
وكانت الصحافة العمانية أول القطاعات والمؤسسات التي فتحت أبوابها لعملية التعمين، فاستوعبت الكوادر العمانية الذين لديهم الموهبة والكفاءة، فاكتسبت بهم ميزة نسبية داخليًّا وخارجيًّا، وقدمت نفسها قدوة للقطاعات الأخرى في التعاطي مع الكفاءات الوطنية، وقامت بتدريب العشرات من الشباب لضمان الانسيابية والاستدامة واتساع رقعة التعمين، وإيجاد المزيد من التلاحم الوطني مع خطط التنمية، والتي نسعى إلى استمرار رسالتها، ونأمل أن يكون هذا أيضًا هدف المسؤولين حتى لا يتم الزج بالشباب العاملين إلى طوابير الباحثين عن عمل.
ولأنها استنشقت نسائم النهضة المباركة في مرحلة البشائر، كانت الصحافة العمانية نبتتها الأولى ذات صوت هادئ ومتزن كصوت السلطنة، ابتعدت عن الضجيج والأصوات الصاخبة، والتزمت نهج عدم التدخل في شؤون الغير وعدم تقبل الآخرين بالتدخل في شؤونها، واتبعت التوازن في تناولها الإخباري، وتغطياتها الصحفية للأحداث المحلية والدولية، ولقيت قبولًا كبيرًا في الأوساط الإعلامية العالمية لتفردها إقليميًّا في الابتعاد عن أطر تأجيج الخلافات، أو استغلال الأحداث، أو اختلاق أزمات، أو تصفية حسابات.
لقد جعلت الصحافة العمانية منابرها تصدح بصوت العقل وحب الوطن، وتقدير التنمية ومظاهرها والمنجزات والمكتسبات والحرص عليها، وإعلاء القيم والمبادئ والأخلاق، ولم تستخدم سوى الكلمة الحرة المتزنة، واسترشدت دائمًا بالصورة لبرهنة الواقع، وكانت آراؤها تحليلية مستقبلية، وجعلت من المواطن هو الحكم وكلمة الفصل، حتى أضحت سيمفونية تغنى بها العالم، وانبهر القاصي والداني بقدرتها على تحقيق المعادلة الصعبة في كيفية التناغم مع خطط التنمية والتوازن بين المرسل والمتلقي.
لا شك أن السنوات الأخيرة سنوات عجاف، واجهت فيها الصحافة العمانية تحديات كبيرة تهدد وجودها، بدءًا من الأزمات المالية العالمية التي ألقت بظلالها على عائدات الصحف، مرورًا بتعاظم وسائل إعلامية إقليمية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تمثل أحيانًا خطرًا على توصيل المعلومة الصحيحة، وجاء تراجع الإنفاق الإعلامي الحكومي وغير الحكومي بآثار سلبية أضرت بالالتزامات المالية للصحف المحلية والعاملين بها.
إن ما تمر به المنطقة حاليًّا يستدعي أن ندق ناقوس الخطر، في ظل حالة الاستقطاب العالمي للشباب العربي، وانتشار المعلومات غير الصحيحة وغير الدقيقة علميًّا ونصيًّاأو بالإسناد أو غير الموثقة بوثائق ومستندات إعلامية أو رسمية.
كما وأن الخطر الحقيقي يأتي بعدم الاكتراث لما تعانيه الصحف المحلية التي تعد حائط الصد القوي ضد أي إشاعات أو أخبار مغلوطة تؤدي إلى نشر الأكاذيب التي تحدث خلخلة مجتمعية، وتبث روح اليأس في النفوس، وتوسع شرخ الثقة، ناهيك عن أن تراجع الصحافة سيتسبب في تصدير المشكلات المؤسسية إلى المجتمع عبر الزج بطوابير الشباب العاملين والمتدربين إلى الشارع، وهو ما يخلق هروبًا جماعيًّا من منظومة التنمية التي تعمل عليها السلطنة، ويتفلت الشباب من الخطط الوطنية كما تتفلت حبات الاستدامة من الخطط الخمسية.
المحرر
المصدر: اخبار جريدة الوطن