لم يفصل سوى سويعات عن انتهاء مؤتمر جنيف الثاني وتمسك المتآمرين على سوريا بالإرهاب خيارًا حتى جاءت الترجمة سريعا ليضرب الإرهاب بقوة في كل من مدينة الهرمل اللبنانية وفي بغداد وغيرها من المدن العراقية، فضلًا عن مدن وقرى سورية ليؤكد المتآمرون المتحالفون مع الإرهاب والداعمين له ولأدواته، مدى تشبثهم به خيارًا أوحد في مواجهة التقدم الميداني الملموس للجيش العربي السوري، وتعبيرًا عن حالة اليأس التي تتملكهم في ظل فشلهم ميدانيًّا ومحاصرتهم سياسيًّا، كما وضح ذلك في مؤتمر جنيف حين رفضوا الورقة السياسية التي تقدم بها الوفد السوري الرسمي والتي كانت بحق مرتكزًا حقيقيًّا يمكن أن ترتكز عليه نحو الحل السياسي.
في مدينة الهرمل اللبنانية استهدف انتحاري محطة وقود موقعًا عددًا من القتلى وأكثر من ثمانية عشر مصابًا، وبالنظر إلى طبيعة الهجوم الانتحاري ونوع الهدف، فإن الرغبة واضحة وهي إيقاع عدد هائل من الضحايا بين قتيل وجريح، ذلك أن محطة الوقود بما تمتلئ به من سوائل مشتعلة وكمية المتفجرات المحملة بالسيارة ستأخذ حيزًا كبيرًا جدًّا من مساحة التفجير وبما فيه من البشر والشجر والحجر. وكذلك الحال بالنسبة للمواقع العراقية التي طالتها نيران الإرهاب، حيث من اللافت استهداف الأسواق الشعبية والمؤسسات الخدمية التي تخدم الناس والغرض من ذلك أيضًا واضح وهو إيقاع أكبر عدد من الضحايا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما ذنب أولئك الضحايا حتى يتم استهدافهم بهذه الطريقة الإرهابية البشعة؟ وما الفائدة التي سيجنيها الإرهابيون ورعاتهم باستهدافهم الأبرياء؟
إذن، نحن أمام ترجمات فورية للتأكيدات التي حرص عليها المتآمرون في مؤتمر جنيف الثاني عبر أدواتهم التي أثبتت أنها مخلصة لأسيادها ومشغليها وصانعيها وأمينة في نقل الشروط والإملاءات والدفاع باستماتة عن خيار الإرهاب، حيث كان لافتًا خطابهم الذي لم يتخلوا عنه منذ انطلاق المؤتمر وحتى نهايته، لتأتي التأكيدات عملية هذه المرة في الهرمل والعراق وسوريا.
لقد نجحت قائدة معسكر المؤامرة على سوريا ومن معها من العملاء والأدوات في تصدير خلايا الإرهاب التي كونتها في أفغانستان والعراق وغيرها إلى سوريا، ومن ثم إعادة تصديرها إلى الجوار السوري وربوع المنطقة.
إن ما نشهده انكشاف للتحالف القائم بين القوى المعادية للمنطقة وبين الإرهاب وأدواته، بعد أن كانت المزاعم تقول إن العمليات الإرهابية هي مسرحيات “للنظام”، وإنما هي صناعة متقنة ومحكمة لها أدواتها وعملاؤها وأبعادها الاستراتيجية، ولذلك فإن هذه الصناعة ـ في تقديرنا ـ ستقوى وستعظم وستتمدد لتشمل ما بعد الجوار السوري، ما لم تكن هناك معجزة تنقذ المنطقة مما يحاك لها من مؤامرات.
لا أحد ينكر أن هناك أزمة سورية، لكن حلها ليس بالإرهاب والوسائل المسلحة التي تستهدف الدولة السورية والشعب السوري، وإنما بصوت العقل والحكمة والمنطق صوت العقل.