اهتمام الحكومة الرشيدة بموارد المياه واستدامتها تمت ترجمته عمليًا في عدة أوجهٍ منها إنشاء الشركة العمانية لخدمات الصرف الصحي – حيا للمياه – وهي شركة مملوكة بالكامل لحكومة ومعنية بمعالجة مياه الصرف الصحي وإنتاج مياه معالجة صالحة للاستخدام في العديد من المجالات الزراعية والصناعية والتجميلية، وهذه الخطوة جاءت بعد تدرج وتمرحل مدروس، حيث كان النطق السامي حاضرًا في هذا الشأن منذ بداية خطابات جلالته – حفظه الله ورعاه – منذ مطلع السبعينات، حيث وعد جلالته شعبه بمشاريع للصرف الصحي في المدن العمانية وذلك في الخطاب السامي لجلالة السلطان المعظم بعد ستة عشر يومًا فقط منذ توليه مقاليد الحكم، حيث ألقى جلالته خطابًا إذاعيًا عبر الإذاعة العمانية في التاسع من أغسطس 1970 قال فيه: «في نيتنا أن تقوم السلطنة بمشاريع الطرق والماء والمجاري، وبهذا نضمن لأولئك الذي يتطلب أن يسكنون هناك أن يجدوا بيوتًا أفضل في الحال». وتطُرق جلالته حفظه الله ورعاه لمنظومة الصرف الصحي في ذات الخطاب الذي أعلن فيه عن تغيير اسم البلاد من سلطنة مسقط وعمان إلى سلطنة عمان يحمل دلالاتٍ على أهميةِ القطاع الذي نتشرف بالعمل على تشغيله وإدارته وتطويره. وهذا القطاع – قطاع الصرف الصحي – ينمو ويتطور وفق متطلباتِ كل مرحلةٍ بما يضمن كفاءتَهُ وجودَتَه، وهاجس الحفاظ على الموارد المائية والبحث عن بدائل تضمن استدامتها حاضرًا في المحافل الرسمية والأهلية، وفي العيد الوطني الثاني والعشرين المجيد أوضح جلالته في خطابه السامي أن الدولة بفضل التقنية الحديثة تمكنت من توفيرمياه معالجة من الصرف يمكن استخدامها في ري الحدائق والمتنزهات والتي تعد الرئة التي يتنفس بها سكان المدن وتساعد على نقاء البيئة، ومن هنا جاءت رؤية واستراتيجية حيا للمياه المبنية على شعار «عمان أكثر اخضراراً وصحة»، بحيث توفر الشركة المياه اللازمة لنشر الرقعة الخضراء في البلاد وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي من جهة، وتحافظ على المياه الجوفية من الاستنزاف وتقلل من استخدام مياه التحلية باهظة التكلفة من ناحية أخرى، كما أن منظومة الصرف الصحي تضمن عدم تسرب مخلفات الصرف الصحي للمياه الجوفية، وتوفر بيئة صحية وآمنة في الأحياء السكنية والتجارية والصناعية.
نجاحات حيا للمياه – رغم كل التحديات – استمرت بفضل الله وتوفيقه وبفضل الدعم والرعاية المستمرين من الحكومة الرشيدة، حيث نالت حيا للمياه الثقة الكريمة من الحكومة لتتسع الرقعة الجغرافية لخدماتها منذ عام 2014م لتشمل جميع محافظات السلطنة عدا ظفار، وفي نهاية سبتمبر 2019 بلغ إجمالي أطوال شبكات الصرف الصحي 3748 كم في حين بلغت أطوال شبكات المياه المعالجة حوالي 500 كم، وتبلغ القيمة الإجمالية لأصول حيا للمياه مليار ريال عماني، وبلغ إجمالي كمية مياه الصرف الصحي التي استقبلتها محطات المعالجة البالغ عددها 58 محطة أكثر من 53 مليون متر مكعب في حين بلغت كمية المياه المعالجة المنتجة حوالي 54 مليون متر مكعب وذلك في الفترة من يناير إلى أغسطس 2019م، تلك الإمكانات والإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على التطوير المستمر ولم تكن لتتحقق لولا التعاون المستمر مع جميع الشركاء والمستفيدين من منتجات وخدمات حيا للمياه، ولعل من أهم عوامل النجاح هو التفهم الكبير والإدراك العالي لدى المواطنين والمقيمين لأهمية ومتطلبات تنفيذ وتشغيل وتطوير مشاريع الصرف الصحي، والوعي المجتمعي الملموس بأهمية المحافظة على مرافق الصرف الصحي لضمان ديمومتها واستدامتها.
إن حيا للمياه تولي اهتمامًا خاصًا لتعزيز الشراكة مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من حيث تبسيط الإجراءات المرتبطة بتلك المؤسسات وتسهيلها، أو من خلال تنظيم ورش العمل واللقاءات النقاشية مع القائمين عليها، وبلغ إجمالي العقود والمشتريات مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 1,400,000 ريال عماني في النصف الأول من 2019، إضافة لتوقيع 10 اتفاقيات مع عشر مؤسسات صغيرة ومتوسطة في نوفمبر الماضي لإسناد مشاريع توصيل المنازل بشبكات الصرف الصحي في ولاية العامرات بتكلفة حوالي 700 ألف ريال عماني، كما أن حيا للمياه تعمل مع الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة «ريادة» لإيجاد منافذ استثمارية في مجال المياه المعالجة والتي تتعدد استخداماتها بين الزراعة المنتجة وري المسطحات الخضراء والحدائق والمتنزهات والملاعب الرياضية إضافة للعديد من الاستخدامات الصناعية والتبريد والتقليل من تطاير الغبار كما يمكن استخدامها في العديد من العمليات الإنشائية.
المسيرة مستمرة والطريق ما زال طويلًا، وحيا للمياه تسير للمستقبل وفق خارطة طريق واضحة المعالم من خلال استراتيجية الخطة الرئيسة لمشاريع الصرف الصحي في مسقط والمحافظات الإقليمية التي تخدمها حيا للمياه حتى 2045 والتي تتجاوز تكلفتها 9 مليار ريال عماني، ولا شك أن تنفيذها لا يقتصر على توفير خدمة الصرف الصحي والمياه المعالجة بل يمتد لأبعادٍ أخرى مثل توفير فرص للعمل سواء بالعمل والتوظيف المباشر أو من خلال العقود التشغيلية والاستثمارية، والإيمان عميق بأن «عمان أكثر اخضرارًا وصحة» رؤية تتحقق.
المهندس/ حسين بن حسن عبدالحسين الرئيس التنفيذي لحيا للمياه
المصدر: اخبار جريدة الوطن
