احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / في العمق: كورونا وضريبة فاتورة استخفاف الأيدي الوافدة

في العمق: كورونا وضريبة فاتورة استخفاف الأيدي الوافدة

د. رجب بن علي العويسي

تطرح الأرقام المتزايدة لأعداد الإصابات بفيروس كورونا (كوفيد 19) في السلطنة مع دخول شهر مايو العديد من الاستفسارات والنقاشات والتساؤلات، وتثير حالة من القلق والخوف في أوساط المجتمع خصوصا لأولئك الذين وجدوا في الالتزام بالتعليمات والتوجيهات والقرارات الصادرة من اللجنة العليا المكلفة الطريق الذي يصنع الفارق ويحدد ملامح النجاح في المرحلة المقبلة، غير أنه على ما يبدو ما زال التكهن بالوصول إلى مرحلة التعافي يحتاج إلى المزيد من الصبر وتحمل المسؤولية المجتمعية، ومزيد من الإجراءات الضبطية المانعة لحركة التنقل والتواصل المجتمعي اليومي حتى في أدنى صورها. ومع كثافة وفاعلية ورصانة الجهود التي تبذلها السلطنة في الحد من انتشار فيروس كورونا، وإيقاف فرص انتقاله بين السكان، إلا أن المسألة ما زالت يواجهها الكثير من التحديات، فرهان الحكومة على وعي المواطن ـ صاحب الأرض ـ على الرغم من التزام المواطن به في تقديرنا الشخصي ـ إلا قليلا ـ واتساع نطاق مفهوم تحقيق الالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعي والجسدي والبقاء في المنزل، وغيرها من متطلبات تحقيق درجة التعافي من المرض، لن يكون الحل السحري والعلاج الوحيد الناجع للجائحة في مجتمع يشكل الوافدون فيه ما يقترب من نصفه بواقع (41.3%) من مجموع السكان، وهو رقم صعب له حضوره في الواقع الاجتماعي، وبالتالي ما يشكله هذا العدد من الوافدين من تحديات على مختلف مراحل العمل وأدواته وأساليبه، ويستدعي جهدا مضاعفا يتعدى ما يبذل من أجل المواطن ويفوق عليه نظرا لتأثير التركيبة الفكرية والثقافية والأيديولوجية والظروف التي جاءت بها أو الأهداف التي كانت سببا في وجود هذه الفئة على أرض السلطنة، مما يلقي على اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، المزيد من الجهد النوعي الذي تتناغم فيه موجهات العمل لتتناسب مع مختلف أطياف المجتمع والقاطنين على أرض السلطنة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإطار اجتماعي وبتعابير وسلوكيات اجتماعية فطرية بين البشر، وأيضا عندما يتعلق الأمر بجانب الوعي وبناء الاستعداد الفكري والنفسي وتأصيل القناعات وبناء أنماط التفكير القادرة على التكيف مع الواقع وقراءة الأبعاد الناتجة عنه والمشاركة في رسم ملامحه واستشعار مفاهيم الأمن والسلامة والصحة كموجهات للتعافي من المرض ومنع انتشاره؛ على أن اتساع الانتشار العشوائي لهذه الفئة في أماكن وجودها في مختلف المحافظات من جهة، يضع مسألة تقيد هذه الفئة بإجراءات التباعد الاجتماعي والاتصال الجسدي، والالتزام بإجراءات العزل الصحي ومتطلبات التعافي، والبقاء في المنزل وعدم الخروج منه إلا للضرورة والحد من حركة التنقل إلا في الضرورات القصوى، بالإضافة إلى مختلف الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية التي اتخذت منذ بدء جهود السلطنة في التعاطي مع هذه الجائحة؛ غير موثوقة تماما وهي تخضع في الأغلب الأعم للمزاجية والذاتية، لذلك يصبح التعويل عليها في تحقيق تحول استراتيجي في إدارة المسألة غير متحقق، لأسباب كما أشرنا تتعلق بمفاهيم الثقافة والفكر والبيئات التي جاءت منها هذه الفئات ومستوى التزامها بالقوانين، بالإضافة إلى ما تحمله هذه الفئة من ثقافة الكسب المادي والحصول على الأموال وتحويلها إلى بلدانهم التي بلا شك تتفوق على مسألة الوعي والدخول في تفاصيله ومحدداته وأسبابه ومسبباته وقراءة متطلباته، بل حتى لمنح وقت الاستماع إلى هذه الموجهات عبر الإعلام ومنصاته المختلفة؛ فأساس وجودها إنما هو لتحقيق الكسب المادي والتزامها بالتعليمات الصادرة من جهات الاختصاص خصوصا فيما يتعلق بإيقاف بعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية وتعليقها أو منع بعضها رغم الالتزام به أمرا واجبا بقوة القانون؛ إلا أنه في نظر هذه الفئة قد يترتب عليه الكثير من الإشكاليات المالية والاقتصادية، ناهيك عن أن التقيد بإجراءات الصحة والسلامة العامة والتقيد بإجراءات العزل الصحي كل ذلك وغيره تواجه عملية تحققه الفاعل والالتزام به بالشكل الصحيح من هذه الفئة عقبات كثيرة ومطبات متعددة، ومعنى ذلك أن توقع إنتاج الوعي والرهان على الوعي المجتمعي عامة يشوبه القصور ـ إذا ما علمنا أن أي خلل في المنظومة المجتمعية من قبل أحد أطرافها (الوافدون) أو استهتارهم بالإجراءات؛ سيحدث انحسارا في النواتج وضعفا في المنتج المتوقع ـ خصوصا أن أكثر هذه الفئات تعيش في مجمعات وسكنات مشتركة وأماكن مغلقة، تبقى صفة التجمع والاختلاط والتقارب والملامسة حالة ظاهرة وسلوكا طبيعيا، والتقيد بإجراءات الصحة العامة في ظل مفاهيم النظافة والذوق التي تمارسها هذه الفئة وتتعامل بها غير متحقق أصلا لافتقارها لهذه الثقافة وضعف التزامها بمبادئ الصحة العامة والذوق في الأماكن العامة والتعامل أو استخدام المرافق العامة فما بالك في أماكن الإيواء والسكن؛ ولعل ما جاء في المؤتمرات الصحفية للجنة العليا للتعامل مع كوفيد 19، وما ورد من حديث على لسان معالي وزير الصحة خير شاهد على ما ذكرنا، فقد ورد في المؤتمر السابع للجنة، قوله: “وجدنا 70 وافدا يعيشون في منزل واحد، وكفيلهم أخلى مسؤوليته عنهم”. وأشار إلى “هناك الكثير من الوافدين الذين لا يتقيدون بالتعليمات الصحية، وهناك تقصير واضح من أصحاب الأعمال أو الكفيل”. ناهيك عن استمرار الممارسات غير المسؤولية والتجاوزات الحاصلة من الوافدين في الأنشطة الموقوفة مثل: خياطة الملابس، والحلاقة، وممارستها خارج أماكن العمل الأصلية، أو في البيوت المهجرة والمزارع والأماكن البعيدة عن الأنظار، أو بيع الملابس الجاهزة وإيصالها للمنازل، وما تسببت فيه هذه الممارسات من انتقال الفيروس وانتشاره بين السكان المخالطين لهذه الفئة.
لقد أظهرت المؤشرات الوطنية منذ بداية تشكيل اللجنة العليا المكلفة كمرجعية وطنية لمتابعة مستجدات مرض كورونا، واتخاذ القرارات والإجراءات والتدابير وإصدار التعليمات التي تعزز من مقدرة السلطنة على تجاوز المحنة بالحد من انتشار المرض وزيادة هرمون التوعية والتثقيف الاجتماعي بالمخاطر الناتجة عن هذا المرض، وتسليط الضوء على الأولويات التي يجب العمل بها للوصول إلى أعلى درجات الأمان والاستقرار؛ أظهرت تصدر الوافدين لأعداد الإصابات بالسلطنة بنسبة كبيرة جدا، حيث إن انتشار المرض بين هذه الفئة يمر بوتيرة متسارعة نظرا لتدني مستوى الالتزام، وتزايد أعداد هذه الفئات في بعض المجتمعات السكنية والتجمعات الذي عزز بدوره من اتساع انتشاره بينهم، وهو التحدي المقلق الذي باتت عملية البحث عن أطر وإجراءات واضحة له؛ أولوية يجب أن تضع لها السلطنة مسارا واضحا، نظرا لاتساع انتقال بين هذه الفئة، وما قد يسببه ارتباط هذه الفئة بتقديمها للخدمات الحياتية للمواطن من مشكلات تفاقم الوضع في ظل الدلائل والمواقف والأحداث والتجاوزات التي رصدتها الجهات المعنية بالدولة في قيام هذه الفئة بمخالفات قانونية متعددة، ومع أن إعطاء نسبة معينة أو رقم محدد يصف حجم انتشار المرض بين هذه الفئة في تحديث مستمر؛ إلا أن استمرار التفوق العددي للإصابات في هذه الفئة منذ بداية الجائحة، وما أظهره البيان رقم (80) الصادر من وزارة الصحة بتاريخ 16- مايو عن ارتفاع نسبة الإصابة بفيروس كورونا بالسلطنة وتسجيل (404) إصابة جديدة بكوفيد 19 في يوم واحد بواقع (67) حالة لعمانيين، في حين كانت عدد الإصابات لغير العمانيين (337) خير مثال يوضح هذا الخطر الناتج من استخفاف واستهتار الوافدين بالتعليمات والإجراءات الصادرة في هذا الشأن، وتشير الإحصائيات حتى 16 مايو 2020 إلى أن إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا بالسلطنة بلغ (5029) إصابة، وأن إجمالي عدد حالات التعافي بلغت (1436) حالة في حين بلغ عدد الوفيات (21) وفاة.
وعليه، تضعنا هذه المؤشرات أمام عمل وطني مسؤول معزز بوضوح الآليات وتنوع البدائل ودقة التشخيص، لقراءة ملف الأيدي الوافدة من زوايا مختلفة، والتعامل معه بكفاءة عالية، وحسن إدارته وتفعيل منظومة العقوبات، والحسم في كثير من مستجداته، ومعالجتها في ظل قرارات وطنية واعدة، واستراتيجيات عمل متكاملة، وتنسيق مشترك بين جميع القطاعات والمؤسسات، خصوصا في ظل هذه الأزمة التي يكلّف استمرارها لمدة أطول؛ الدولة تحديات مالية كبيرة، تستنزف مواردها وترهق موازنتها؛ وبالتالي تقوية عنصر المواطنة المسؤولة والمسؤولية الاجتماعية وفق منظور يتسع لكل المتغيرات المتوقع تأثيرها في مفهوم إنتاج ثقافة الوعي في هذه الفئة ومستوى التقدم المتوقع تحققه في هذا الشأن، لتبدأ مرحلة جديدة تقرأ الملف بصورة أكثر عمقا تتسع فيه النظرة إلى قراءة السلوك العام لهذه الفئة بما يحمله من حيث دوافعه ودواعيه وأسبابه ومسبباته، لتشمل الواقع الاجتماعي في بلدانها، والممارسات التي تعايشها، والعادات والتقاليد والقناعات السائدة وانعكاساتها على ممارساتها الحالية، وبالتالي ما إذا كانت هذه السلوكيات والتجاوزات وحالة الاستهتار التي تمارسها هذه الفئة تعبيرا عن ثقافة مجتمعية متأصلة، أم أنها صناعة وقتية أوجدتها للكسب السريع، وهو ما يتطلب المزيد من التوضيح للصورة الحقيقية الباعثة لتجاوز هذه الفئة للتعليمات واستخفافها بالإجراءات الاحترازية للحد من انتشار المرض، وما يرتبط بذلك من فرض الضوابط والمعايير والشروط على الممارسين للأنشطة الاقتصادية التي تظهر فيها هذه الممارسات بصورة أكبر من غيرها، وتقنين لهذه الأنشطة، والحسم في الإجراءات والتشديد في القوانين النافذة ووضوح العقوبات فيها، بحسب طبيعة النشاط وارتباطه بأمن الإنسان وحياته، وتبقى مسؤولية المواطن عبر تعزيز حضوره في إدارة هذا الملف والمساهمة فيه بالشكل الذي يضمن للإجراءات الرقابية والمتابعات، قوة التنفيذ وفاعليته، وبما يتيح استخدام أساليب وآليات عمل متعددة تضمن سرعة الإبلاغ الفوري عن أي ممارسات لها علاقة بجائحة كورونا وتعمد هذه الفئة نشر المرض أو الاستهتار بآليات وموجهات العمل، عبر وضعها أمام مراجعات وعمليات تشخيص وتقييم مستمر، وبالتالي نقل التعامل مع هذا الملف من الحلول الجزئية المقتضبة أو التركيز على النشاط الممارس فقط، إلى البحث في سلوك الممارس ذاته، وما يحمله من أفكار وقناعات وأساليب في العمل، ومدى وعيه بالنظام والتشريعات، واستيعابه لمعطيات الهوية العمانية، والنمط الأخلاقي والقيمي الذي يجب أن يلتزم به في التزامه بالتعليمات الرسمية الصادرة من اللجنة العليا المكلفة، وقبوله الطوعي لها، وفهمه للعادات والتقاليد والسلوكيات التي يتعامل بها المواطن المخلص مع هذه الجائحة، وبالتالي أن تتخذ الجهات المختصة استراتيجيات عمل تسهم في تقوية الشراكة مع المواطن المسؤول والمخلص والثقة في ما يقدمه من إنجاز نوعي يتماثل فيه للقرارات المتعلقة بالتقيد بإجراءات التباعد الاجتماعي والجسدي، في ظل ضمانات تحمي حقه وتقدر جهده وتُعلي من منافسته بقبول التحدي والالتزام بالواجب الوطني، في مقابل اتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية والضبطية النافذة واشد العقوبات على المواطنين الذين لم ينالهم نصيب الإخلاص وحس المسؤولية وضاع لديهم حس الشعور بالوطن وتعافيه من هذه الجائحة المرهقة.
من هنا فإننا اليوم أمام مرحلة حرجة بكل المقاييس، لا مجال فيها للتساهل أو الانطوائية أو الهروب من الواقع الذي فرضته الأيدي الوافدة واتسعت ضريبة مدفوعاتها اليوم في ظل ما أفصحت عنه أحداث كورونا، التي أرهقت فيه هذه الفئة الوطن وعطلت مسيرة نجاحه في رسم ملامح المستقبل؛ وبالتالي اتخاذ قرار وطني يعيد هيكلة وضع الوافدين بالسلطنة من جديد، ويرسم ملامحه بطريقة أخرى تتناسب مع رؤية عمان المستقبل، وعبر متابعة دقيقة لكل النشاطات المنجزة والبرامج الموجهة وآليات تحقيق هدف الحد من بقاء الأيدي الوافدة بالسلطنة، ليسير في خط متواز مع الحد من انتشار فيروس كورونا، باعتبارها سرطانات تنخر في جسم الوطن السليم الآمن المطمئن وتسبب له اختلالات قد يكون القادم منها أكثر قلقا وصعوبة ومفتوح الاحتمالات في ظل تزايد أعداد الإصابات بين هذه الفئة، ولغة الاستخفاف والاستهتار التي تمارسها بكل أريحية وبدون أي رادع ذاتي أو رد اعتبار لأي اعتبارات أخلاقية وإنسانية وتقدير للرعاية والعناية التي تقدمها عمان لهم، وبالتالي خطورة هذا الوضع على الأمن الوطني في ظل أحداث هذه الجائحة بما يتسببه من استنزاف للموارد والإمكانات التي تخصص لتوفير الأسرَّة والأدوية لعلاج هذه الفئات في المستشفيات وتوفير أماكن مخصصة للعزل المؤسسي لها حسب خطورة الحالة وشدتها، أو عبر تعزيز الجهود الوطنية التوعوية والتثقيفية التي تقوم بها الجهات المختصة وجهود شرطة عمان السلطانية في مراقبة نشاط هذه الفئة وتحركاتها وفض تجمعاتها، وما تتعرض له من أحداث وردّات فعل في أثناء تنفيذ عملياتها، وحالة الاستخفاف بالقرارات والتعليمات الموجهة نحو كورونا، خصوصا أن من بين هؤلاء المرضى الذين يتلقون الرعاية والعلاج مخالفين لقانون الإقامة، أو من المتسللين والمنتهية بطاقات عملهم أو تأشيرات إقامتهم، أو الهاربين من مواقع عملهم أو المطلوبين للعدالة، لترفع هذه المعطيات من ضريبة الفاتورة التي تدفعها ثمنها السلطنة والتي نعتقد بأنه آن الأوان لإعادة تصحيحها ومراجعة الحسابات الوطنية في هذا الشأن.
وأخيرا فإن الرهان على وعي هذه الفئة في تقديرنا الشخصي، رهان خاسر لن يقدم امتيازات جديدة للوطن في تصديه للجوائح الثلاث: الوافدين وكورونا وانخفاض أسعار النفط، والاعتماد عليها في الحد من انتشار الفيروس من الصعوبة بمكان، وفيه من التمادي الذي يؤدي إلى مزيد من الإصابات القادمة، ومخاطرات مالية كبيرة ترفع من ضريبة وجود هذه العمالة في السلطنة وتزيد من سعر فاتورة الحساب الموجهة لها التي تدفعها الدولة في مواطنيها ومؤسساتها وموازنتها، فهل سنشهد الأيام القادمة إجراءات حاسمة في إعادة هيكلة هذا الملف والعمل الجدي على التنسيق مع الدول ذات العلاقة في ترحيل هذه الفئة، وإنهاء فترة بقاء هذه الفئة عبر جدولة زمنية، وإلزام الكفيل وصاحب العمل (المواطن)، بدفع مستحقات العلاج وتوفير بيئة ضامنة لتحقيق هذه الإجراءات والتزام المعايير؛ ووضع السياسات وسن التشريعات التي ستضمن الحيلولة دون دفع المزيد من الاستحقاقات الضائعة التي فرضها واقع هذه الفئة على اقتصادنا وأمننا وسلامة مواطنينا؟


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى