الرأي العام الخليجي اليوم أصبح لا يحتمل أية مواقف سياسية جديدة أو أخطاء بينية أو قضايا شعبية بين أي بلدين متجاورين، ما سيدفع الإعلام الخارجي والجهات المستفيدة إلى التهافت على إشعاله وإثارته، وكلها تراكمات تكرس حالة سلبية خطيرة على العلاقات الخليجية .
يسود الفضاء الإلكتروني لدول مجلس التعاون الخليجي حالة مواجهة تتصاعد مع الوقت للأسف الشديد، وهي على مرأى ومسمع السلطات في دول المجلس، بل إن هناك من يغذيها ويوجهها في بعض الأحيان لخدمة مآرب معينة وتحقيق أهداف معينة، قد تكون وقتية، لكنها على المدى البعيد سوف تصبح ضارة ومنفلتة وغير منضبطة لانعدام السيطرة عليها وتركها على عشوائيتها، وهي حالة خطيرة تستهدف العلاقات بين شعوب المنطقة، ويصل مداها للإضرار بالعلاقات الرسمية الخليجية .
المواجهة المستعرة بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي على وسائل التواصل الاجتماعي القائمة اليوم تعد مواجهات خاسرة، فنجد أن هناك أكثر من طرف خليجي انزلق في هذا المستنقع الخطير الذي لا يخدم أحدا على الإطلاق، وقد نصل إلى الوقت الذي سنغرق فيه جميعا ولن نحقق أي نتائج مفيدة على الإطلاق، بل سنضر بالعلاقات الخليجية من خلال استخدام الذباب الإلكتروني أو استخدام الشعوب في هذه المناوشات الإعلامية العبثية .
اليوم وصلت تداعيات هذه الحالة في وسائل التواصل الإعلامي و”السوشل ميديا” إلى تشكيل جبهة ضغط إعلامية تولد من خلالها حالة رأي عام ضاغطة على السلطات في دول المجلس، فأصبحت أي مشكلة يمكن أن تشعل فتيل أزمة مواجهة وضغط إعلامي شعبي واسع على الحكومات الخليجية، بل شكلت تراكمات خطيرة على علاقات الشعوب في وقت يتصدى العالم لقضايا مصيرية بالغة الأهمية تعنى بالتنمية والاستقرار، ونحن في دول الخليج نوجه وسائل إعلامنا وجيوشنا الإلكترونية ضد بعضنا البعض بشكل مستهجن ومستغرب في نمطية العلاقات الدولية، فأصبح وقود هذه المواجهة هم الشعوب، بل ستصل تأثيراتها للإضرار بالعلاقات الدولية على المدى المتوسط والبعيد .
الرأي العام الخليجي اليوم أصبح لا يحتمل أية مواقف سياسية جديدة أو أخطاء بينية أو قضايا شعبية بين أي بلدين متجاورين، ما سيدفع الإعلام الخارجي والجهات المستفيدة إلى التهافت على إشعاله وإثارته، وكلها تراكمات تكرس حالة سلبية خطيرة على العلاقات الخليجية .
كان بالإمكان وما زال ممكنا إيقاف هذه الظاهرة التي تفشت في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام الخليجي، وبات من الضرورة بمكان على وزارات الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي والجهات القضائية والأمنية في دول مجلس التعاون الخليجي التوجه نحو توقيع ميثاق شرف إعلامي واتفاقية لتجريم أي إساءة على وسائل الإعلام في أي دولة خليجية، لوقف هذا الهوس الإعلامي المتصاعد والسيطرة عليه قبل أن يستفحل الأمر بشكل يصعب السيطرة عليه، وقد نشرت على هذا المنبر مقالا صحفيا حمل عنوان “المواجهة الخاسرة” مسلطا الضوء على هذه القضية، واليوم أسلط الضوء مجددا على هذا الموضوع، وأناشد السلطات في دول مجلس التعاون الخليجي وقف هذا العبث الإعلامي والتصعيد الخطير الذي سوف يكرس حالة من القطيعة والمجافاة بين الأشقاء مستقبلا. وإذا كانت دول المجلس مجتمعة لا يمكنها تجريم هذا الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي عموما، فيمكن توقيع اتفاقيات ثنائية مشتركة لبلورة ميثاق شرف إعلامي يحافظ على العلاقات الخليجية .
المسألة الأخرى في هذا الصدد أيضا هي قضية حماية حقوق مواطني دول مجلس التعاون الخليجي عند وجودهم في دول المجلس أو خارج دول المجلس، سواء ما يتعلق بحقوق العمالية أو حقوق المواطنة أو الحقوق العامة، فللأسف هناك حالات لا تتفق مع حماية حقوق المواطن في دول مجلس التعاون الخليجي من حيث حالات الاعتقالات والمحاكمات التي قد تحدث بشكل تعسفي أحيانا، وهو ما حدث في حالات اعتقالات سابقة نظرا لمخالفة قانون الاتصالات أو الإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الحالات حدثت للأسف دون الرجوع إلى بلد الشخص الذي تم اعتقاله، مما يعد نموذجا من نماذج التجاهل لحقوق المواطن الخليجي، سواء من قبل دولته أو من قبل الدولة التي يوجد فيها .
هذا الموقف يتطلب معالجة صريحة وشفافة بين دول مجلس التعاون الخليجي قبل الوصول إلى حالة منفلتة على الساحة الخليجية، فمن المهم جدا الوصول إلى تبني موقف جماعي خليجي بتجريم الإساءة لأي دولة خليجية باتفاقية جماعية خليجية أو اتفاقيات ثنائية تجنب دولنا هذه المواجهات الخاسرة التي أصبح المواطن هو وقودها ودول الخليج العربي هي المتضررة منها. وفي مجال حقوق الإنسان ينبغي توفير الحماية القانونية والقضائية والعمالية لحقوق المواطن الخليجي في أي دولة يوجد فيها، فانتهاك حقوق المواطن وحرياته هي مدعاة لإثارة الرأي العام أيضا، وهو ما سيضع السلطات في موقف حرج إعلاميا وشعبيا ورسميا .
ختاما، فإن ما وصل إليه الرأي العام الخليجي من مواجهات خاسرة جعلت الأوضاع لا تحتمل أي خطأ ممكن أن يحدث، وللأسف فإن هذه الظاهرة قد تحمل جزءا منها السلطات الرسمية في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب تركها على عواهنها دون معالجتها والتصدي لها، علما أن بعض المسؤولين في دول المجلس عبروا عن سخطهم وامتعاضهم من هذا السجال الخليجي، ولكن للأسف لم يحرك ساكن في معالجة هذه الظاهرة، واليوم باتت ملحة معالجة هذا الوضع الخطير بشكل يتسم بالعقل والحكمة، نأمل أن نرى تحركا خليجيا جادا لمعالجة هذه الظاهرة، ونسأل الله أن تعود العلاقات بين دولنا العربية عموما إلى سابق عهدها، والله ولي التوفيق والسداد .
المصدر: اخبار جريدة الوطن