المقترحات التي أقرها أمس الأول مجلس الدولة في جلسته العادية التاسعة لدور الانعقاد السنوي الأول من الفترة السابعة والمتمثلة في “تحديات القوى البشرية الوطنية في القطاع الخاص”، و”تعزيز ريادة الأعمال والقيمة المحلية المضافة”، و”القروض والتأمينات البنكية”، هي مقترحات من الأهمية بمكان بالنظر إلى عناوينها ومضامينها التي حملتها، حيث جاءت مواكبة للواقع الذي يلمسه الجميع اليوم وعلى المستويات كافة.
ومَن يُمعن النظر في شأن أوضاع القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، والتحديات الصعبة والمؤرقة التي باتت تواجهها يجد أنها حقًّا بحاجة إلى طرحها على طاولة النقاش والبحث وذلك لما يعنيه هذا الموضوع المهم، سواء لجهة الاستقرار الاجتماعي والمعيشي والسلام الاجتماعي أو لجهة الاستقرار الوظيفي واستمرار القطاع الخاص في ممارسة أدواره وتحقيق الأهداف المرادة، فكما هو معروف أن قوة القطاع الخاص ونموه وتطوره يعكس قوة الاقتصاد ونموه، ويعكس كذلك حقيقة الشراكة الفعلية والقائمة بينه وبين القطاع العام.
الحقيقة التي يعيشها السواد الأعظم من القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص لا يمكن إنكارها أو القفز عليها، بل أصبحت واقعًا بالنسبة للذين طالتهم أنياب التسريح من أعمالهم، ومسهم شرر خفض الرواتب جراء جائحتي فيروس كورونا “كوفيد 19” وانهيار أسعار النفط، الأمر الذي أثر كثيرًا على العديد من الشركات والمؤسسات بالقطاع الخاص، ما ترك ثلمة في العلاقة بين هذه الشركات والمؤسسات والقوى العاملة الوطنية، وتسبب في حرج بالنسبة لبعض المؤسسات والشركات التي تنظر إلى القوى العاملة الوطنية نظرة تقدير واحترام، ولم تجعل من جائحتي كورونا وانهيار أسعار النفط شماعة لتسريح القوى العاملة الوطنية والتخلص منها، وخفض الرواتب، والإبقاء على القوى العاملة الوافدة، فالوضع الذي أصبحت عليه القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص هو وضع صعب ومؤلم ومؤرق، سواء من حيث التسريح من العمل وما جره من ويلات معيشية واجتماعية وقضائية نتيجة الالتزامات البنكية والجمعيات وغيرها، أو من حيث ارتفاع الهاجس النفسي بترقب قرار التسريح في أي لحظة، أو قرار خفض الراتب. لذلك يمثل مقترح “تحديات القوى البشرية الوطنية في القطاع الخاص” أهمية كبرى من حيث دراسته دراسة متعمقة واقتراح الحلول والمعالجات الكفيلة بعدم المساس بوضع القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، وبالحفاظ على قوة القطاع واستمراره ونموه، كما أن قطاع ريادة الأعمال وما طال العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو الآخر بحاجة إلى هذه الدراسة أيضًا لتمكين هذه المؤسسات واستمرارها، فوضع الحلول والمعالجات لهذا القطاع من شأنه أن يعزز الشعور النفسي لدى شبابنا، ويكسر حاجز الخوف، ويشجعهم على ريادة الأعمال وتأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة، فهذا القطاع يحتل أهمية بالغة، سواء من حيث دوره الاقتصادي أو من حيث قدرته على توفير فرص عمل للكثير من الباحثين عن عمل من شبابنا. كما تكمن أهمية دراسة “تعزيز ريادة الأعمال والقيمة المحلية المضافة” ـ حسب بيان اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة ـ في ارتباطها بدوران حركة الأموال داخل الاقتصاد المحلي، وتحقيق أكبر قيمة ممكنة لرفد تنوع مصادر النمو لقطاع الأعمال والاستثمار في السوق المحلي، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة في مختلف القطاعات كالصناعات التحويلية والنفط والغاز والمعادن والثروة السمكية، والمطارات والموانئ والاتصالات والكهرباء، وغيرها من القطاعات الأخرى.
أما مقترح دراسة “القروض والتأمينات البنكية” فهو الآخر لا يقل أهمية لجهة أن سياسة البنوك الحالية غالبًا ما تحول دون إقراض الأفراد الذين يتجاوز عمرهم ستين عامًا وذلك طبقًا لما نصَّت عليه التشريعات العمانية على إحالة الموظفين الموجودين بالخدمة الذين بلغوا ستين عامًا، حيث تعمد البنوك إلى اتباع سياسة خاصة تجاه هذه الفئة في المجتمع، وذلك بالامتناع عن تقديم أي قرض سواء كان قرضًا شخصيًّا أو غيره، على الرغم من عدم وجود تشريعات تمنع التفرقة على أساس السن في الحصول على خدمات التأمين وقروض بنكية وائتمانية، وفق بيان اللجنة الاقتصادية بالمجلس، فكأن قطار العمر والعطاء والإنتاج قد توقف عند سن ستين عامًا، لذا يهدف المقترح إلى مراجعة السياسات والتشريعات للبنك المركزي العماني وهيئة سوق المال المنظمة للتأمين والإقراض لمن هم فوق سن الستين عامًا، وتقديم المقترحات التي تكفل حفظ حقوق تلك الفئة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن