ودَّعت الأمة الإسلامية عامها الهجري الحادي والأربعين، مستقبلة الثاني والأربعين بعد أربعمئة وألف، وسط ظروف عصيبة تمر بها، حيث تتكالب عليها الأمم، وهي الظروف العصيبة ذاتها التي عايشها الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم والملمات التي أحاطت به من كل جانب، فلم يجد بدًّا من الفرار وتنفيذًا للأمر الإلهي، وفي ذلك حكم كثيرة أرادها المولى سبحانه وتعالى من وراء هذا الأمر، ذلك أن ليس من السهل على الإنسان أن يترك أرضه وأهله وأسباب رزقه، ويرفض جميع أشكال الإغراء، ويفعل ذلك كله من أجل العقيدة وحماية الدعوة.
إن في هذا الأمر درسًا عظيمًا يعلمنا إياه الهادي الأمين عليه الصلاة وأزكى التسليم، وهي أن من يقبل بتحمُّل الأمانة والمسؤولية عليه رعايتها حق الرعاية، وأن لا يفرط فيها، فكيف الحال حين تكون هذه الأمانة هي أمانة خاصة بالله موجد الوجود وخالق الخلق ومدبر الكون ومسيِّره؟
ما من شك حين ينظر أبناء الإسلام إلى ما قام به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من أجل الدعوة الإسلامية ومن أجل حماية أصحابه، ومن أجل الحفاظ على أمانة التبليغ، وما يعتري أمة الإسلام من ضعف وتفرق وتشتت وتناحر وتنابز، وتخادم مع الأعداء، لا بد وأن يعن في ميزان الوعي وصحوة الضمير هذا الأمر، ليقف كل مسلم مخلص مؤمن بالله مع نفسه وقفة صدق مع نفسه ومع خالقه ومع رسوله الكريم، فينظر إلى موقعه الذي هو فيه، مراجعًا ذاته هل أدى ما حُمِّل من أمانة؟ هل قام بمسؤولياته حق القيام؟
إن الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية يجب أن لا يكون احتفالًا صوريًّا، وإنما يجب أن يكون احتفالًا تتجدد فيه الأنفس وتسمو القلوب، وتترفع عن الدنايا وعن الخطايا، وأن تستذكر بحق كل مواقف الصدق والوفاء والصبر والتحمل والتواضع وأساليب التربية، والتسامح وعدم التنازل عن القيم والمبادئ وكل ما يمس الشريعة والدين، وكل ما يتعلق بحقوق الله، والتي علمنا إياها رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد غيرت هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام مجرى التاريخ، فكانت إيذانًا من الله بأن تتغير أحوال المسلمين، وتكون فاتحة خير، لانطلاق الدعوة الإسلامية، وقيام دولة الإسلام في المدينة المنورة، ليعود منها بعد ذلك إلى مكة المكرمة فاتحًا ومنتصرًا بنصر الله وبتأييده له، وهذا ما كان ليكون لولا التمسك بالمبدأ وعدم التنازل عن القيم والمبادئ والأخلاق، وعدم التفريط في حق من حقوق الله، ورعاية أمانة التبليغ، والعمل على رعاية حقوق أصحابه رضوان الله عليهم الذين آمنوا به وصدقوه، وكانوا معه في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء، وكانوا فداء له.
وإذ تشارك السلطنة العالمين العربي والإسلامي الاحتفال بذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاوة وأزكى التسليم، فإنها لتستذكر المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ مؤسس نهضة عُمان الحديثة، وما أرساه من سياسة حكيمة وما بناه من سلام داخليًّا وخارجيًّا، سياسة تنشد خير الوطن والمواطن، وتعلي من شأنه وتسعى إلى راحته وتوفير سبل الحياة الكريمة ورغد العيش، وتنشد السلام والأمن والاستقرار للعالم أجمع. سائلين الله عزَّ وجلَّ أن يجعل كل ما قدمه من أجل عمان وأبنائها في ميزان حسناته، وأن يجعله من المقبولين والمرضيين لديه، ويجزيه عنا خير الجزاء.
وإذا كان من استهلال طيب للعام الهجري الجديد، فإن ما تفضل به حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة لهو خير استهلال تستفتح به عُمان هذا العام لتمضي مسيرتها التنموية الظافرة، ونهضتها المتجددة بكل الخير والتوفيق والسداد والنجاح والفلاح، سائلين الله أن يعيد هذه المناسبة الجليلة بالخير واليُمن والبركات على جلالته وعلى الشعب العماني، وعلى أمة الإسلام.
المصدر: اخبار جريدة الوطن