حين انطلقت مسيرة النهضة العمانية الحديثة أرست وقائع جديدة في بناء الدولة العمانية العصرية لتتمكن من النهوض والتقدم والرقي والتطور، وتحقيق الآمال والتطلعات، وبناء حاضر ومستقبل أفضل ينعم فيه أبناء الأوفياء جيلًا بعد جيل، ومن بين هذه الوقائع التي أرستها النهضة المباركة تحرير إرادة الإنسان العماني وإشراكه في رسم الرؤية المستقبلية لحياته وحياة أبنائه من بعده، حيث تعددت صور هذه الشراكة والدور المنتظر من الإنسان العماني، سواء من خلال المجالس المنتخبة كمجلس الشورى والمجلس البلدي، أو عبر المجالس المعينة كمجلس الدولة وغير ذلك من الصور التي عبرت عن عميق الإيمان بالإنسان العماني ودوره وأهمية حضور الفاعل بفكره وساعده وإبداعه، انطلاقًا من مبدأ أن الوطن لا تبنيه إلا سواعد أبنائه.
اليوم ونحن نعيش في أكناف هذه النهضة المباركة، وعبر نهضتها المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ تتواصل مسيرة تحرير إرادة الإنسان العماني وتشجيع دوره، والإيمان بمكانته ودوره الكبير في مسيرة البناء والتنمية. فما تفضل به جلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الموقر بقصر البركة العامر الأربعاء الماضي بأن “الدولة ماضية في إعطاء المحافظات والمحافظين جل الاهتمام بما يمكنهم من النهوض والتطوير مع منح المحافظين الصلاحيات اللازمة لتمكينهم من الاضطلاع بمسؤولية تنشيط الاقتصاد والاستثمار والتجارة وغيرها من المسارات بعيدًا عن المركزية”، فما تفضل به جلالته يعكس إيمانه العميق بقدرة أبناء عمان الأوفياء على مواصلة أدوارهم ومسؤولياتهم الوطنية من مواقعهم التي هم فيها، والإسهام في رفعة هذا الوطن وتقدمه، والانطلاق نحو ذلك برؤية تواكب المرحلة ومتطلباتها وتحدياتها.
فمجلس شؤون المحافظات الذي عقد اجتماعه الأول برئاسة معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية رئيس المجلس بحضور أصحاب المعالي أعضاء المجلس بديوان عام وزارة الداخلية، يعد إحدى صور الشراكة الحقيقية القائمة بين الحكومة والمواطنين، ذلك أن من شأن هذا المجلس أن يعزز منظومة العمل الإداري، وينظم العلاقة والأدوار والمسؤوليات المنتظرة، حيث سيتمكن كل محافظ من تقديم الصورة الحقيقية للمحافظة المسؤول عنها، وما تحتاجه من متطلبات سيعمل على تحقيقها، وتعزيز دوره لإكساب المحافظة النشاط الاقتصادي والاستثماري، فضلًا عن أن الأمر سيكون مدعاة للتنافس، حيث إن ما سيتحقق من إنجازات ومكتسبات تصب في المصلحة الاقتصادية للمحافظة ولهذا الوطن سيعد شهادة نجاح. فبموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (101/2020) ونظامه المرفق به، قضت المادة الرابعة من النظام بأنه “تتمتع المحافظة بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، وتكون لها أهلية تملك الأموال الثابتة والمنقولة، وإدارتها، والتصرف فيها وتتبع الوزير، فيما عدا محافظات مسقط وظفار ومسندم فتتبع الوزير المختص”.
اجتماع مجلس شؤون المحافظات أعطى أيضًا صورة واضحة عن طبيعة عمله، حيث تطرق إلى ما سيقوم به المجلس من أدوار وفق الاختصاصات وهي: دراسة المواضيع التي يحيلها إليه جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أو مجلس الوزراء، ودراسة المواضيع ذات الطبيعة المشتركة بين المحافظات، والتنسيق بينها في ممارسة اختصاصاتها، والعمل على توحيد آليات عملها، كذلك متابعة حسن سير المشاريع الإنمائية في المحافظات، وتذليل المعوقات، إضافة إلى رفع تقرير سنوي إلى مجلس الوزراء عن أعمال المجلس، والمقترحات والتوصيات اللازمة لتطوير كل ما من شأنه تنمية المحافظات.
ما من شك أن غير المركزية التي ستتبعها المحافظات في أعمالها تأتي مواكبة لرؤية “عمان 2040″ وستعطي نتائجها المرجوة بإذن الله مع حسن المتابعة والمراقبة والمحاسبة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن