مُساعد المُدَّعي العام/ ناصر بن عبدالله الريامي
أولًا ـ البلاغ والإجراءات:
بتاريخ 31 ديسمبر 2003م، وفي تمام الساعة (07:25) صباحًا، تلقى مركز الشرطة المختص مكانيًا، بلاغًا من المواطن (س ح ع)، يعمل حارس أمن بمؤسسة خدمات الأمن والسلامة، مفيدًا في بلاغه عن وجود جثة محترقة بالشارع الترابي المؤدي إلى أحد المعالم الرئيسية في الولاية (نتحفظ عن ذكر تفصيلات الأماكن هنا، وأسماء المتهمين، للحيلولة دون التشهير).
وفي ضوء البلاغ، انتقل فورًا إلى المكان، أعضاء الضبط القضائي المختصين مكانيًا، للوقوف على صحة البلاغ؛ فتحقَّق لهم ذلك، حيث وجدوا جثّة متفحّمةً، لرجلٍ مجهول الهوية، لعدم عثورهم في حوزته ما يشير إلى ذلك؛ فاستدعوا، على الفور، خبير مسرح الجريمة والطبيب الشرعي، وخبير الحرائق، الذين اتضح لهم أن الجثة كانت في وضع انكباب على الوجه، كما وجدت آثار لأقدامٍ مُحتذية، وكذلك آثار إطارات لسيارة منطبعة على الأرض بالقرب من الجثة.
هذا، وبتعديل الجثة، وجعلها ترقد على ظهرها، لوحظ أن الفم محشو بالمحارم الورقية المتشربة بالدماء، وتفوح من عُموم الجثة رائحةٌ لمواد بترولية؛ كما لوحظت جروح غائرة على الجانبِ الأيسَرِ من الرأس. كما لم يتبين وجود أثر لعراكٍ في المكان الذي وجدت فيها الجثة، وهو ما أعطى انطباع مبدئيّ بأن الجثة نُقلَت مقتولة إلى ذلك المكان.
وقد عمل فريق مسح الجريمة على رفع أثر طبعة إطارات مركبة التي وجدت بجانب الجثة، وكذا أثر الأقدام المحتذية؛ لأجل مضاهاتها بالآثار التي سيشتبه بها لاحقًا.
وتم بعد المعاينة الميدانية نقل جثمان المجني عليه إلى الطب الشرعي؛ حيث شرع فور ذلك، خبير البصمات في تبصيم الجثمان، فتبين له أن النيران قد طمست جميع بصمات يديه، باستثناء بصمتين. وبوضع طبعتيهما في نظام الحاسوب، أسفرت النتيجة عن انطباقهما لشخصٍ اسمه (م ط) من إحدى الجنسيّات الغربية، يبلغ من العمر (44) سنة، ويعمل في مجال هندسة البترول، في إحدى شركات النفط.
ثانيًا ـ إجراءات جمع الاستدلالات:
وكما هي العادة، في مثل هذه القضايا الكبيرة التي تهزّ الرأي العام، وتُسبّب سُخطًا أو رُعبًا جماهيريًا؛ تم تعيين فريق للبحث والتحري، اختير لعضويّتها أفضل عناصر الشرطة؛ فتحرك الفريق، فور تلقي البلاغ، لمباشرة عمله، بعد أن قسَّم نفسه إلى مجموعات فرعية، منها من اتجهت إلى منزل المجني عليه للالتقاء بزوجة المجني عليه، للاستماع إلى ما لديها من أقوالٍ مبدئية؛ ومنها من اتجهت إلى الشركة التي يعمل بها المجني عليه، للالتقاء بالمسؤول المباشر للمجني عليه، والوقوف على أيّة ملاحظة قد تهديهم إلى الجاني؛ ومنها من تولت التحري العام الميداني.
المجموعة التي زارت منزل المجني عليه، لم تكتفِ بمجرد الجلوس مع زوجة المجني عليه، والاستماع إلى ما لديها من ملاحظاتٍ فحسب؛ وإنما أجرت مسحًا شاملًا للمنزل، فاشتبهت من خلال ذلك بوجود بعض المواقع التي أنبأت عن إخضاعها لغسيلٍ حديثٍ جدًا، مثل في غرفة النوم، وعلى الدرج المؤدي إليها.
أقوال زوجة المجني عليه المبدئية، أشارت إلى أنها، في يوم اختفاء زوجها، المصادف ليلة 31 ديسمبر 2003م، وفي حدود العاشرة مساءً، خرجت هي من البيت لأجل إرجاع ابنها من بيت أحد أصدقائه، وعندما عادت، كان زوجها قد خرج بسيارته.
كما أفاد أحد زملاء المجني عليه في العمل بأن علاقة الزمالة والصداقة التي نشأت بينه والمجني عليه، أتاحت له فرصة التعرف، عن قُرب، على أسرة الأخير، والوقوف على بعض خصوصيّاتهم العائليةِ أيضًا. مُشيرًا إلى أنه علم من المجني عليه بوجود خلافات مُتكررة بينه وزوجته، من ناحية؛ وبينه وابن زوجته، من ناحيةٍ أخرى. مشيرًا إلى أن سبب الخلافات مع الأولى يعود إلى حرصه الشديد على العمل، وجلوسه لأوقاتٍ متأخرة في المكتب؛ وكثرة تردّده على مواقع العمل في الصحراء، للوقوف على الجانب الميداني للعمل.
كما أن التحريات المكثفة التي أجراها الفريق أكّد صحة وجود خلافات بين المجني عليه وزوجته؛ بل أكّدت أيضًا أنها سعت إلى تكليفِ أحدٍ لقتلِه؛ إلّا أن الشخص الذي حاولت أن تُجنّده رفض التعاون معها.
في ضوء هذه التحريات المبدئية، قرّر فريق التحري أن يرسل فريق مسرح الجريمة إلى منزل المجني عليه، للوقوف على ما قد يشير إلى احتمالية أن يكون المجني عليه قد وقع الاعتداء عليه في بيته، من عدمه؛ فكان الرأي المبدئي مُؤكّدًا لاحتمالية وقوع الجريمة في البيت؛ حيث اكتشفت آثار لدماء اشتبه ابتداءً أن تكون آدمية، على سجاد الدرج المؤدي إلى غرفة النوم الرئيسة؛ وكذا بقعة دموية رفعت من ساعة (المنبه) الذي كان بجانب سرير المجني عليه؛ كما وجِدَت بقايا لبقعةٍ كبيرة (مغسولة)، اشتبه أن تكون دموية، على الدوشق (المرتبة) الخاصة بسرير المجني عليه.
استصدر رئيس فريق التحري إذنًا من الادّعاء العام بالقبض على زوجة المجني عليها، بتهمة القتل، كما أدخلت الحبس الاحتياطي رهن التحقيق؛ وسحب منها هاتفها النقال، وأخضع للفحص الرّقمي، وفق ما سنراه في محله.
ثالثًا ـ التحقيقات الابتدائية:
جاءت نتائج المختبر الجنائي مؤكّدة أن الآثار التي رفعت من منزل المجني عليه، هي بقايا لدماءٍ آدمية، وقد تم تصنيفها بنظام الحمض النووي، وبطريقة (STR. Profiler Plus)، وتبيّن أن فصيلتها تطابق فصيلة دم المجني عليه. كما أن تقرير الفحص الرقمي لهاتف المتهمة، أكّد وجود اتصالاتٍ مشبوهة متبادلة بين المتهمة ورقمين في خلال شهرٍ كامل قبل وقوع الجريمة؛ بل واستمر الاتصال حتى بعد الوقت الذي زعمت فيه باختفاء زوجها، أي بعد العاشرة من ليلة يوم 31 ديسمبر. هذا، وبالرجوع إلى الشركة العمانية للاتصالات، تأكّد أن الرقمين المجهولين للمتهمين الثاني (ص. ش)، البالغ من العمر (17) سنة؛ والمتهم الثالث (س. ج)، البالغ من العمر (17) سنة أيضًا؛ فتمّ إلقاء القبض عليهما فورًا.
كما تمّ التوصُّل إلى الشاهد (ع ح) الذي أكّدَ بأن المتهمة الأولى سبق وأن حكت له عن المشاكل الجمّة التي خيّمت على العلاقة بينها وزوجها (المجني عليه)؛ وأنها طلبت منه أن يبحث لها عمَّن يُخلّصها من زوجها، بأي طريقةٍ كانت، وإن أدّت إلى قتله.
يقول الشاهد أنه لم يتصوّر أن المتهمة جادة فيما قالته؛ إلى أن سمع بمقتل المجني عليه، فاستحضر الكلام، وتقدّم للإدلاء بشهادته.
هذا، وبالتحقيق مع المتهمة (ج. ك)، ذات الأربعة والأربعين عامًا، من جنسيةٍ غربية، ومواجهتها بالنتيجة المخبرية، بشأن البقع الدموية التي تأكّد أنها لزوجها المجني عليه، رغم المحاولات التي بُذلت لإزالتها؛ أقرت بأنها فعلًا متورطة بقتل زوجها، بالاشتراك والمتهمين الثاني والثالث، وكذا ابنها بالتبني (المتهم الرابع)، البالغ من العمر (14) سنة.
وبعد التحقيق مع المتهمين الأربعة، وكذا بعض الشهود، فإن واقعة الاجهاز على المجني عليه يمكن تلخيصها في التالي بيانه:
كيفية الاجهاز على المجني عليه:
الثابت يشير إلى أن العلاقة بين المجني عليه وزوجته كانت مضطربة. لم يتم الوقوف على السّبب الحقيقي للخلاف، ولا الدافع إلى التخلص من المجني عليه؛ فتارةً ورد أنه يعود إلى عدم اهتمام المجني عليه بأسرته، بقدر اهتمامه بعمله؛ وتارة ورد بأنه اعتاد على مُعاقرة الخمور بشراهة؛ وتارة ورد بأن الأخير دأب على إهانة المتهمة وضربها؛ بل ودائبٌ على تعذيبها، في الوقت نفسه. ومن هذا المنطلق، عملت المتهمة على بثّ أفكار الكراهية في العقل الباطن لابنها (المتهم الرابع) تجاه والده؛ فنشأ الطفل يحمل في قلبه إحساس دفين بالانتقام، بعد أن أخضعته المتهمة لبرمجة عقلية، مُؤدّاها أن والده يهينها، ويعذبها؛ وأنه بالتالي يستحق الموت.
وينبغي الإشارة في هذا الصدد إلى عدم الاستهانة بقوة البرمجة العقلية للطفل، وما قد ينتج عنها. فالمعروف أن الطفل لا يميز بين الحقيقة والخيال؛ ومن هنا يكمن سبب عدم أخذ المحاكم بشهادة الأطفال، إلا على سبيل الاستئناس المجرّد.
وعليه، طلبت المتهمة من ابنها (المتهم الرابع) أن يبحث لها عمَّن يُخلّصها من زوجِها؛ فاستعان الابن بالشاهد (ع ح)، الذي سبق وأن أشرنا إلى شهادته، والذي رفض الاستجابة لطلب المتهمة. وفي محاولة ثانية لتحقيق الإبن رغبة أمه (المتهمة الأولى)، استعان بأحد أصدقائه، وهو المتهم الثالث، وطلب منه الطلب ذاته، وأوضح له أن والدته مستعدة لأن تدفع مبلغًا كبيرًا لمن سيحقق لها رغبتها. نقل المتهم الثالث الكلام إلى صديقه المتهم الثاني، الذي تولدت لديه على الفور فكرة الاحتيال على المرأة وابنها، وذلك بأن يتظاهر أمامهما بالموافقة على تنفيذ الجريمة؛ ثم يخلف بالوعد، للسببٍ أو لآخر، بعد أن يستلم منهما المقابل المالي.
ويبدو أن قوة التأثير العاطفي للمتهمة كان أقوى من خطة الاحتيال التي انتواها المتهمان؛ حيث سُرعان ما أن سقطا في شِباكِها، بعد أن دأبت على الجلوس معهما لجلساتٍ طويلة، تحكي لهما، وهي تبكي بحُرقة، عن المعاملة القاسية التي تتلقاها من زوجها، وكيف يُعذبها بوحشية؛ وأنهما، إذا نفذا لها ما تريد، ستغدق عليهما بالمال الوفير، وستتيح لهما فُرصة السفر إلى بلادها المتطورة، والدراسة فيها، والتمتع برغد العيش. هكذا، أصبح لدى المتهمين (الثاني والثالث) دافع مزدوج لقتل المجني عليه. فمن ناحية، تولد لديهما إحساس عميق بأن المجني عليه يستحق القتل فعلاً؛ ومن ناحيةٍ أخرى، طمعهما في المال، وفي السفر والعيش الرغيد في الغرب. وعليه، رسمت المتهمة للمتهمين خطة لتنفيذ القتل، في يوم الاحتفال بعيد المسيح (الكريسماس)، أو يوم رأس السنة الميلادية، حيث يثقل زوجها في تناول المسكرات، وهو ما سيسهل من مهمّة القضاء عليه.
وفي إحدى الجلسات، أعدَّت لهما رسمًا تقريبيًا لكيفية الوصول إلى مكتبه بداخل الشركة، إذا ما استدعى الأمر تنفيذ الجريمة داخل مقر الشركة؛ كما وضعت لهما بديلًا آخر لتنفيذ الجريمة في مُخيم الشركة في الصحراء؛ وسلّمتهما جزءًا من المال، دفعة مقدمة، مقدارها خمسمائة ريال عماني.
ملاحظة:
بتفتيش الغرفة الخاصة بالمتهم الثاني، تم ضبط الرسم التقريبي، وأكد خبير البصمات أن عليها بصمات تخص المتهمة الأولى وأخرى للثاني؛ كما ضبطت حافظة النقود الخاصة بالمجني عليه مخبأة في الغرفة؛ كما ضبطت فانيلة رمادية اللون تخص المتهم بها بقعة دموية، أكد المختبر الجنائي بأنها تطابق فصيلة دم المجني عليه (تمت الملاحظة).
وفي يوم الواقعة، وبعد أن خرج المجني عليه إلى أحد المطاعم لتناول العشاء برفقة زوجته (المتهمة)، أخذت الأخيرة تشجعه على شرب المسكرات؛ ففعل ذلك حتى الثمالة. وفي تلك الأثناء، اتصل بها هاتفيًا ابنها، فعلم منها أن الهدف ثملًا، وبإمكانهم تنفيذ الجريمة في البيت في تلك الليلة. اتصل المتهم الرابع بالثاني والثالث، وأبلغهما بأن وقت التنفيذ قد حان، وعليهما الوصول فورًا إلى بيت الهدف. وكان المتهم الثاني قد أعدّ سلاحًا لذلك عبارة عن قضيب من الحديد الصلب. عاد المجني عليه والمتهمة إلى البيت في حدود العاشرة مساءً، فواصل السهر بين الشرب والتدخين، حتى كاد يفقد وعيه، فأدخلته المتهمة إلى غرفته للنوم؛ فاستسلم جسده ووعيه فورًا لملكوتِ نومٍ عميق، دون أن يدري بما يُحاك من حوله. في تلك اللّحظة، وبناءً على اتصالٍ من المتهمة، دخل المتهمان البيت، فاستقبلتهما في الطابق الأرضي، وأعطتهما إشارة التنفيذ، بعد أن دلّتهما على الغرفة، وأعطتهما مفتاح سيارة المجني عليه، لينقلوا الجثمان فيها بعد إتمام الجريمة. خرجت المتهمة عندئذٍ، هي وابنها، إلى أحد المطاعم القريبة، وطلبت منهما مهاتفتها عقب إتمام الجريمة.
دخل المتهمان غرفة المجني عليه فوجداه غارقًا في نومه، فضربه المتهم الثاني بالقضيب الحديدي على رأسه ضربة قوية، فلم يتحرك؛ فجثم الثالث على صدره وأمسك برأسه بكلتا يديه، في محاولة لكسر رقبته، مُحاكيًا بذلك ما يشاهده في الأفلام الأجنبية، إلا أن المحاولة فشلت؛ فواصل المتهم الثاني ضرب الرأس بالحديدة، ضربتين أو ثلاث ضربات، وكان ينزف بغزارة من الرأس والفم؛ ثم حملاه إلى الجراج، ووضعاه في صندوق سيارة المجني عليه، وتحركا بها إلى مكانٍ ناءٍ، وهناك أخرجا الجثمان، وسكبا عليها مادةً سريعة الاشتعال، وأشعلا فيها النيران، ثم تحرّكا بالسيارة، وأوقفاها خلف أحد المراكز التجارية؛ ثم اتصل أحدهما بالمتهم الرابع، وأبلغاه بإتمام العملية.
ملاحظة:
يُذكر إن آثار الأقدام المحتذية التي رفعت من المكان الذي عثر فيه على جثمان المجني عليه، تطابقت مع طبعات قدمي المتهمين الثاني والثالث (تمت الملاحظة).
وعاد المتهمان بعد ذلك إلى بيت المجني عليه، وتساعدا مع المتهمين الأولى والرابع في تنظيف أثر الدماء التي انسكبت في أماكنٍ متفرقة.
رابعًا ـ التصرف في الدعوى:
قرّر الادّعاء العام إحالة المتهمين الأربعة إلى محكمة الجنايات المختصة مكانيًا، لمقاضاتهم بتهمة القتل العمد، بالمخالفة للمادة (237 /3) من قانون الجزاء رقم (7 /74)؛ مع مراعاة تطبيق المادة (107) من القانون ذاته على المتهمين الثاني والثالث، لكونهما أحداثًا، والمادة (106) على المتهم الرابع، لكونه لم يبلغ الخامسة عشر من عمره.
خامسًا ـ الحكم:
هذا، وبعد أن اطمأنّت المحكمة إلى أدلة الإثبات، سيّما الفنية منها، والتي تقطع بالدليلِ الجازم إلى اقتراف الحدثين الثاني والثالث لماديات الجرم المسند إليهما؛ وارتسمت في وجدانها صورةً ذهنيةً واضحة، استخلصتها من حيثيات الواقعة ومخرجات التحقيقات، مُؤدّاها أن المتهمين الأربعة أقدموا قصدًا وعن سبق إصرار وتصميم، وبناءً على اتفاقٍ سابقٍ بينهم جميعًا على قتل المجني عليه؛ وذلك بأن اتفقت الأولى مع الثاني والثالث والرابع على فكرة التخلص من زوجها، بقتله بمقابل مالي حصل عليه الحدثان الثاني والثالث، اللذين نفّذا ماديات فعل القتل، بناءً على ذلك الاتفاق، بضرب المجني عليه بقضيبٍ حديديّ على رأسِه، ضربات مُتكررة، كانا قد أحضراه لهذا الغرض، ثم أحرقا جثمانه، وفق ما جاء في تفصيلات اعترافهما.
وبعد أن ترافع وكلاء الدّفاع عن المتهمين، كلٍ على حدة، وناقشوا الشهود، وقدموا اعتراضاتهم على بعض أقوال الشهود، وفقما يُمليه عليهم واجبهم المقدّس في الدفاع؛ وحرصت المحكمة على الاستجابة لجميع طلباتهم، من تأجيلٍ لمزيدٍ من الإطلاع، واستدعاء شهود نفي، وعرض المتهمين على الطب النفسي .. انتهت المحكمة في ختام ذلك، وبإجماع الآراء، في الجلسة المنعقدة بتاريخ 27 /4 /2004م، إلى إحالة الأوراق إلى اللّجنة المشكلة بمُقتضى المادة (221) من قانون الإجراءات الجزائية، وتحدّدت جلسة 17 /7 /2004م للنطق بالحكم.
يذكر إن المادة (221) تقرأ على النحو التالي:”….، على أنه، لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكمًا بالإعدام، إلا بإجماع الآراء؛ ويجب عليها قبل أن تصدر الحكم، إرسال الأوراق إلى لجنةٍ تشكل من مستشار الدولة للشؤون الجزائية، ومستشار الدولة للشؤون العدلية، ومفتي عام السلطنة، لإبداء الرأي من الناحيةِ الشرعية؛ فإذا لم يصل رأيها إلى المحكمة في خلال الستين يومًا التالية لاستلام الأوراق، حكمت المحكمة في الدعوى؛ وإذا لم يتحقق الاجماع، تستبدل بعقوبة الاعدام، عقوبة السجن المطلق”.
ولما كان رأي اللّجنة لم يصل للمحكمة خلال الأجل المذكور؛ قرّرت المحكمة الحكم في الدعوى، فقضت بإدانة المتهمين جميعًا بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار والتصميم، وقضت بإجماع الآراء بإعدام المتهمة الأولى؛ وسجن الثاني والثالث لمدة عشر سنواتٍ نافذة، أخذًا بكونهما أحداثًا، لم يتجاوز عمرهما، وقت الجرم، (17) عامًا؛ وسجن الرابع لمدة ثلاثِ سنواتٍ موقوفة النفاذ، أخذًا لكونه حدثًا أيضًا، إلا أن عمره، وقت الجرم، لم يتجاوز (14) عامًا، مع طرد الأخير من البلاد، لكونه أجنبيًا.
سادسًا ـ الطعن أمام المحكمة العليا:
وإعمالاً لمقتضيات عجز المادة (245) من قانون الإجراءات الجزائية، التي تقرأ على النحو الآتي:”…، وعلى الادّعاء العام الطعن بالنقض، في الأحكام الصادرة بالإعدام”؛ قرّر الادّعاء العام الطعن في الحكم بالنقض، وخلص في مذكرته إلى إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعنة؛ كما طعن في الحُكم أيضًا المحكوم عليهم الأولى والثاني والثالث، كلٍّ على حِدة.
هذا، وبعد أن استعرضت المحكمة جميع أوجه الطعون المقدّمة من المحكوم عليهم الثلاثة، انتهت على أنها وجوه مردود عليها؛ وحرصت فعلاً على الرد على جميع المناعي؛ وانتهت إلى أن أسباب الطعون قائمة على أساسٍ غير قويم، مُتعينًا رفضها موضوعًا، وألزمت الطاعنين بالمصاريف. صدر حكم المحكمة العليا بتاريخ 9 نوفمبر 2004م.
كلمة ختامية:
نصيحتُنا، في ختامِ هذا الاستعراض الدموي، نوجهها إلى أولياءِ الأُمور الكِرام، بأن يتابعوا أبناءهم، ويشملوهم بعنايتهم، ويكلأوهم برعايتهم؛ ويقفوا على تفصيلات حياتهم، سيّما في مرحلة المراهقة. وأن لا يقتصر ذلك على المراهقة المبكرة والوسطى فحسب؛ وإنما المراهقة المتأخرة في الوقت عينه (الفئة العُمرية 18 ـ 25). فعُلماء الاجتماع يؤكّدون ما لأفلام العُنف وألعاب العُنف من تأثيرٍ سَلبيٍّ شديدِ الخُطورة على الأطفال في مرحلةِ المراهقةِ بشكلٍ عام؛ وخاصة المبكرة (11 ـ 14 سنة) والوسطى (14 ـ 17 سنة) منها. فهم يكونون أكثر مَيلاً إلى مُمارسة السُّلوك العدواني، وأكثر استعدادًا إلى اقتراف التصرفات المُؤذية، بشكلٍ عام. فبقدر مُشاهدتهم لأفلام القتل أو الايذاء أو الاغتصاب؛ بقدرِ استعدادهم لمحاكاةِ تلك التصرفات العدوانية. جَنّبوا أطفالكم هذه المشاهدات.
القضيةُ الماثلة اقتُرِفت بوحشيةٍ بالِغة، لم يَسمح لنا الحيّز المتاح باستعراض كلّ تفصيلاتها التي تشيبُ لهولها الرؤوس، وتنوء لحملها الجبال الراسيات .. فهي نموذج واضح لمحاكاة المراهقين لما يشاهدونه من أفلام العنف والقتل. الحل يكمن في المراقبة والانتقائية .. والله من وراء القصد.
المصدر: اخبار جريدة الوطن