احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / «الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: قتلته درءًا للفضيحة والعار

«الوطن» بالتعاون مع الادعاء العام: قتلته درءًا للفضيحة والعار

مُساعد المدعي العام / ناصر بن عبدالله الريامي

أولًا ـ كلمة الابتداء:
لا شك أن موضوع الشرف، وكلّ ما يتمخّض عنه من آلامٍ، وكآبةٍ، وكدرٍ، وتبعاتٍ غير محمودة؛ بل، وجرائمٍ، في أحايينٍ كثيرة، يُعد من أكثر ملفات المجتمعات الشرقية حساسيةً وسُخونةً.
فبعد أن كان المدافع عن الشرف والعرض مَحميّ قانونًا، من خلال استفادته من العُذر المحلّ أو من تخفيف العُقوبة؛ اضطرت جملة من الأنظمة القانونية المقارنة إلى التدخل بإلغاء هذا العذر القانوني؛ بعد أن أُسيء استخدامه.
إنها قِصَّة الشَّرف التي لطالما دفعت بالأهالي، في كثيرٍ من مجتمعات المنطقة، إلى قتل فتياتها التي زلَّت أقدامهنّ، في لحظاتِ ضعفٍ، باقترافِ المحظور.
هي قصة الشّرف التي دفعت بفتاةِ دون العشرين من عُمرها، وفق ما سنرى في القضيةِ الماثلة، إلى قتلِ من كان يبتزّها ويساومها في عفّتها؛ درءًا للفضيحةِ، ونأيًا بنفسِها عن مُساءلةِ الأهل، حال تنفيذ المبتز لتهديداته بفضح أمرها.
ثانيًا ـ البلاغ والإجراءات:
في أحد أيام عام 2017م، تلقّى مركز الشرطة المختص مَكانيًا، بلاغًا من مسؤولٍ في أحد المراكز الصحية، مُفيدًا في بلاغه عن إحضارِ شخصٍ إلى المركز الصّحي، وهو ينزف بغزارة إثر طعناتٍ مُتفرقة لحقت به، وبعد دقائقٍ معدودة، فارق الحياة متأثرًا بجراحه.
في ضوء البلاغ، انتقل مأمورو الضّبط القضائيّ، يرافقهم عُضو الادِّعاء العام المناوب، فورًا إلى المركز الصّحي، وبمعاينة جثمان الهالك، تأكدّ لهم صحة البلاغ، فأصدر عضو الادّعاء العام أمرًا قضائيًا بندب الطبيب الشرعيّ لفحص جثة الهالك وتحديد سبب الوفاة.
أكد الطبيب الشرعي في تقريره أن سبب وفاة الهالك يُعزى إلى طعنتين نافذتين إلى تجويفيّ الصّدر والبطن، وتسبُّبهما في إحداثِ تمزقاتٍ بالرئة اليُمنى والمعدة والأمعاء والأوعية الدموية، وما صاحب الحالة من نزيفٍ دمويٍّ غزير، واسترواحٍ هوائيٍّ دمويٍّ صدري.
ثالثًا ـ إجراءات جمعِ الاستدلالات:
كانت البداية بسماع أقوال الشاهدين (س. ص) و(ع.ل) اللذين نقلا المجني عليه إلى المركز الصّحي، فأفادا أنهما عثرا على الهالك ساقطًا على الأرض، غارقًا في دِمائِه، يُصارع الموت، في الحي السّكني الذي يقطناه.
وأوضح الشاهد الأول: أنه كان قد تلقى اتصالاً هاتفيًا من المجني عليه، الذي أبلغه بأنه تعرّض للطعن، وطلب منه الحضور لمساعدته، في المكان الذي وصفه له؛ وأضاف الشاهد أنه بدوره أبلغ الشاهد الثاني بالأمر؛ فانتقلا، من فورهما، إلى المكان، فوجدا الهالك فاقدًا للوعي، وسط بركةٍ من الدماء؛ فنقلاه فورًا إلى المركز الصحي، في محاولةٍ منهما لإنقاذ حياته.
على إثر ذلك، انتقل فريق مسرح الجريمة، ومعهم كلبًا شُرطيًا، إلى مكان سقوط المجني عليه، لتقفي أثر المجني عليه، ومعرفة المكان الذي قدم منه، فكانت النتيجة أن قادهم الكلب إلى منزلٍ على بُعد (150) مترًا؛ وبدخول المنزل، عثر في الفناء آثار عراك وبقع دموية متناثرة، فباشر فريق مسرح الجريمة رفع العينات، كما تم تحريز سكين، عثر عليها في المطبخ، للاشتباه في استخدامها في ارتكاب الجريمة.
أكدّ خبير الفحوص البيولوجية، أنه وبتصنيف الحمض النووي للآثار الدموية المكتشفة في فناء المنزل، اتضح أنه يطابق الحمض النووي لعينة دم المجني عليه.
وبالتحقيق المبدئي مع أهل البيت، وقع الاشتباه على المتهمة؛ وبسؤالها استدلالاً، أقرّت بالواقعة المنسوبة إليها، وفق التفصيل الذي سيأتي تاليًا؛ فتمّ حبسها احتياطيًا، على ذمّة التحقيق، وأحيلت إلى الادِّعاء العام، للاستجواب.
رابعًا ـ مرحلة التحقيق:
وفي جلسة الاستجواب، أمام عضو الادِّعاء العام، المختص مكانيًا، أقرت المتهمة بالاتهام المسند إليها، مُوضِّحة أن الذي دفعها إلى ذلك هو المجني عليه بنفسه، حيث أخذ يهدّدها بنشر صورها الخاصة، في وسائل التواصل الاجتماعي، إن لم تُسلِّمه نفسها للفعل المحرّم.
وبمواصلة الاستجواب، أقرّت بوجود علاقة إعجابٍ سابقة بينها والمجني عليه، قبل سنتين تقريبًا، دون أن تتطور تلك العلاقة إلى أيّ اتصالٍ مُباشر؛ وإنما استمرت عبر الهاتف فقط؛ وأنها، في لحظةِ ضِعفٍ، أرسلت له صورًا خاصة بها، في أوضاعٍ غير مقبولة اجتماعيًا؛ فأخذ يُهدّدها بنشرِ الصّور، ما لم تمكّنه من نفسِها.
أردفت المتهمة في بيانها للواقعة قائلةً: أنها لم تجد من سبيلٍ للتخلُّص من تلك التهديدات، ولا لدرءِ الفضيحةِ والعار، إلا بقتلِه.
وبعد تفكيرٍ مَلِيٍّ، تظاهرت في إحدى المكالمات الهاتفية أنها سترضخ له، وستسلمه نفسها ليفعل بها ما يشاء، شريطةً أن يكون ذلك لمرةٍ واحدةٍ فقط، ويكون ذلك بعد أن يُسلِّمها ذاكرة الهاتف المشتملة على صورها.
اتفقت معه أن يأتي إلى بيتِ أهلها، في وقتٍ مُتأخرٍ من الليل، وأنها ستنتظره في الحوش الخلفي، ووصفت له نقطة تسلق سّور الحوش.
وتحت جُنح الظلام، اقتحم المجني عليه السور، حسب وصف المتهمة، فوجد الأخيرة تنتظره في الحوش.
تقول المتهمة أنها كانت قد أخفت سكينًا تحت طيّات ملابسها، وما أن شرع في تلمُّس جسدها، للنيل من شرفها، حتى وأخرجت السّكين، وطعنته بها في بطنه أولًا، ثم في صدره.
محاولات المجني عليه لمقاومة المتهمة، أدَّت إلى إصابتِه بمزيدٍ من الطّعنات في الأيدي والرأس؛ بل، وبطعناتٍ أخرى في الظهر، عندما استدار عنها، هاربًا من حتفه.
أضافت المتهمة أنها، وبعد أن خرج المجني عليه، غسلت السّكين، كما غسلت ملابسها أيضًا، التي علق عليها الكثير من دمائه؛ وحرصت على الاستحمام، للتخلص من أيّ أثرٍ للجريمة.
خامسًا ـ قرار الادِّعاء العام:
بعد الانتهاء من التحقيقات، قرَّر الادِّعاء العام إحالة المتهمة (ق.ك)، ذات الثمانية عشر ربيعًا كاملة، وقت اقتراف الجرم، إلى محكمة الجنايات المختصة مكانيًا، لاقترافها جناية قتل المجني عليه عمدًا، مع سبق الإصرار والتصميم، وذلك بأن بيتت النِيَّة على قتلِه، بعد أن استدرجته إلى بيتِها، وما أن ظفرت به حتى وانهالت عليه بطعناتٍ تلوَ الأُخرى، في أنحاءٍ مُتفرّقةٍ من جَسدِه، بواسطة سكينٍ، كانت قد أعدّتها لهذا الغرض؛ مُلحقةً به الجُروح البليغة التي أودت بحياتِه، وفق تقرير الصِّفة التشريحيّة، المعزّز باعترافات المتهمة في التحقيقات.
أرفق الادِّعاء العام مع قرار الإحالة، قائمة بأدلة الثبوت؛ ورد ممّا ورد فيها ما يشيرُ إلى أن المتهمة تعرَّضت لبعض الجروح القطعية في يدها اليسرى، تتوافق عمرها وتاريخ وقوع الجرم؛ كما أثبت تقرير مختبر الأدلة الرقمية احتواء ذاكرة جهاز الهاتف النقال الخاص بالمجني عليه على جملة من صور المتهمة؛ ووجود رسائل متبادلة بينهما قُبيل لحظة اقتراف الجريمة.
سادسًا ـ أمام محكمة الجنايات:
نُظرت القضية في جلساتٍ عِدّة، ترافع خلالها الادِّعاء العام بدايةً، كما استعرض قائمة بأدلة الثبوت؛ ثم استمعت المحكمة إلى أقوال المتهمة أولاً؛ كما ناقشت الشاهدين اللذين نقلا المجني عليه إلى المركز الصحي؛ ثم الطبيب الشرعي، وكذلك فعل الدفاع.
وفي المرافعة الختامية للدفاع، التمس أصليًا الحكم ببراءة المتهمة من التهمة المنسوبة إليها، لعدم انطباق النص؛ وبصفةٍ احتياطية، الحكم بالبراءة، لقيام حالة الدفاع الشرعي؛ كون المتهمة كانت تدافع عن شرفها.
وبإعطاء الكلمة للمتهمة أخيرًا، دافعت عن نفسها الاتهام بالقول: أنها لم تقصد قتل المجني عليه، وأنها ما أخبأت السكين بين طيّات ملابسها، إلا من باب الاحتياط، ليس إلّا، وأنها لم تستخدمها، إلّا بعدما حاول المتهم النيل من شرفها؛ كما تراجعت عمّا قالته أمام التحقيقات بأنها خطّطت للقتل قبل الواقعة بأسبوعين؛ مُوضّحة أنها قصدت أن تقول أنها خطّطت للّقاء به، لأجل التفاوض معه بشأن الصّور، قبل الحادثة بأسبوعين.
المحكمة ترى بأن قصد القتل غير متوفر:
داولت المحكمة القضية في جلساتٍ مُتعدِّدة، نظرت خلالها إلى الوقائع من زواياها المختلفة، فاستقرت قناعتها أن الواقعة لا تشكل قتلًا عمدًا مع سَبق الإصرار والتصميم، كما قدَّمها الادِّعاء العام؛ وإنما هي ضربًا أفضى إلى موت، بالمخالفة للمادة (238) من قانون الجزاء، رقم:(7 /1974)، التي تنصّ على الآتي:(يعاقب بالسَّجن خمس سنوات على الأقل، من تسبب بموت إنسان بغير قصد القتل، بالضرب، أو العنف، أو الشدة، أو بأي عملٍ آخر مقصود، إلخ).جاء في حيثيات المحكمة الآتي: ولئن كان الركن المادي ثابت، بكامل عناصره، من نشاط، ونتيجة وعلاقة السببية، وفق ما أكّده تقرير الصّفة التشريحية؛ إلا أن القصد الجنائي الخاص، المتمثل في نيّةِ إزهاقِ الرّوح، غير ثابت بالقطع واليقين.
وأشارت المحكمة في بيان ذلك بالقول: ولئن كانت القاعدة التي أرستها المحكمة العليا، في الجَمِّ الغفير من أحكامها، تشيرُ إلى أن (القصد أو النية) أمرٌ خفيٌّ، لا يُدرك بالحسِّ الظاهر، وإنما بالأمارات، وبالمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني، والتي تنمُّ عمّا يضمره في نفسه.
ولئن كان من تلك المظاهر، نوع السّلاح المستخدم، ومكان الإصابة من جسد المجني عليه، والباعث والظروف، والملابسات الموضوعية الأخرى؛ إلا أنه، ومع توافر قرينة السلاح المستخدم (السكين)، وهي أداة قاتلة بطبيعتها؛ ومكان الإصابة (الصدر والبطن)، وهما من مَقاتِل جسم الإنسان؛ إلا أن هذه القرائن يوجد في الأوراق ما يثبت عكس دلالتها؛ ومن ذلك، أن من ينوي القتل، لا يختار لذلك منزله مسرحًا لجريمته؛ وإذا كان لابد، فإنه يهيئ الوسائل اللازمة للتخلص من جثة القتيل، ومن آثار الجريمة.
وبالنظر إلى ضآلة جسم المتهمة، وصغر سنّها، فإنه يستحيل عليها أن تقوم، بعد قتل المجني عليه، بإزالة الآثار.
ولو كانت لديها نية إزهاق الروح فعلاً، لما تركته يغادر المكان؛ ولأجهزت عليه، بعد أن تمكّنت منه، وأصبحت هي سيّدة الموقف.
أيضًا، ومن القرائن التي بنت عليها المحكمة قضاءها في استبعاد نية إزهاق الرّوح، ما ثبت في التحقيقات أن المتهمة اتصلت بابن خالتها، فور خروج المجني عليه من بيتها جريحًا، وأقرت له بما حدث، وطلبت منه التحرك سريعًا لنجدته؛ إلا أن الأخير رفض التدخل.
استندت المحكمة في قضائها أيضًا إلى ما أكّده تقرير مختبر الأدلة الرقمية، من وجود رسائل صادرة من هاتف المتهمة، إلى هاتف المجني عليه، فور خروجه بوقتٍ قصير، تعتذر عمّا بدر منها، وتطلب منه المسامحة؛ وتطلب منه أيضًا أن يطمئنها على صحته.
وفي تعليقٍ للمحكمة على تلك الرسائل، تقول: جاءت تلك الرسائل بعد الواقعة مباشرةً، الأمر الذي يكشف عن عدم توافر نية القتل؛ ومن ناحيةٍ ثانية، فإن الذي لديه نية القتل، لا يعمد إلى إرسال تلك الرسائل إلى هاتف المجني عليه، ليقدّم بنفسه دليل الإدانة لسلطات الضبط.
ومن ناحيةٍ ثالثة، فمن لديه نيّة القتل، لا يبالي بمصير الضحيّة، ولا يشغل نفسه إلّا بتحقيق النتيجة، وهي إزهاق الروح؛ بينما الرسائل تكشف عن أن المتهمة أرادت السّلامة للمجني عليه.
وحيث كان ما تقدّم، فإن المحكمة انتهت إلى عدم توفر نية القتل لدى المتهمة، وأن نص المادة (238)، الخاص بالضرب المفضي إلى الموت، هو الأولى بالإعمال به في شأن الأفعال التي ارتكبتها المتهمة؛ حيث انصرفت إرادتها إلى النشاط دون النتيجة الجرمية.
كما تشير المحكمة إلى أنها لا تقف عند شكل العبارات الصادرة عن المتهمة في مرحلة التحقيق؛ إذ العبرة بالواقع، وليس بما نُسب إليها من قول.
فالمحكمة تدرك حداثة سن المتهمة، وقلة تجربتها؛ وأنها مواجهة بجناية القتل، وأنها لا تميز بين قصد فعل الطعن، ونية القتل، وقد فنَّدت ما نسب إليها من قول في محاضر التحقيق أنها خطّطت لقتل المجني عليه قبل أسبوعين؛ حيث قالت أمام المحكمة أنها قصدت من قولها ذاك التخطيط للقاء المجني عليه، لاستلام الصور منه، لا لقتله.
أما عن الدعوى المدنية التابعة، فبالنظر إلى أن الورثة طالبوا بتعويضٍ قدره مائتان وخمسون ألف ريال عُماني، دون أن يقدموا الأساس الواقعي والقانوني لمقدار هذا التعويض؛ فإن المحكمة تحكم لهم مبلغ خمسة عشر ألف ريال عماني، تعويضًا عن الضرر، قياسًا على مقدار الدية الشرعية للذكر.
سابعًا ـ الحكم:
ومن هذا المنطلق، حكمت المحكمة بإدانة المتهمة بجناية التسبب بموت المجني عليه، بغير قصد القتل، وفقًا للمادة (238) من قانون الجزاء رقم:(7 /1974)، ومعاقبتها بالسجن لمدة خمس سنوات، وإلزامها بتعويض ورثة المجني عليه، بمبلغ وقدره خمسة عشر ألف ريال عماني، وإلزامها بالمصاريف.
ثامنًا ـ المحكمة العُليا:
لم يرتضِ الادعاء العام بهذا القضاء، كما أن المحكوم عليها أيضًا لم ترتضِ به؛ فطعنا عليه بالنقض، كلٍّ على حِدة، أمام المحكمة العليا.
وحيث أن الطاعنة تنعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بجريمة موت المجني عليه بغير قصد القتل، قد شابه القصور في التسبيب، والخطأ في تطبيق القانون؛ وذلك بأن المدافع عنها تمسّك بقيام حالة الدفاع الشرعي التي ترشّحها الواقعة، بيدَ أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهري؛ ممّا يعيبه، ويستوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة، ومُذكرة الدّفاع المقدمة من الطاعنة أمام المحكمة أنها دفعت بأنها كانت في حالة دفاع شرعي؛ ولكن الحكم المطعون فيه قضى عليها بالعقوبة، دون أن يفصل في هذا الدفع أو يرد عليه بما يفنّده.
ولما كان ذلك، وكان هذا الدفاع جوهريًا، ومن شأنه، لو صحّ، أن يهدم التهمة أو يؤثر في مسؤولية الطاعنة، فإن إغفال التحدث عنه، يجعل حكمها مشوبًا بالقصور الذي يعيبه، ويستوجب نقضه، دون حاجة للبحث في باقي أوجه الطعن، أو البحث في الطعن المقدم من الادِّعاء العام.
تاسعًا ـ حكم المحكمة العليا:
حكمت المحكمة بقبولِ الطّعن المقدم من الادِّعاء العام، ومن المحكوم عليها شكلًا؛ وفي الموضوع، بنقضِ الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى محكمة الجنايات، للفصل فيها مُجدّدًا من هيئةٍ مغايرة.
عاشرًا ـ الهيئة المغايرة:
باشرت الهيئة المغايرة جميع إجراءات المحاكمة من جديد، وحضرت المتهمة الجلسات ومعها مُؤازرها القانوني، وبمواجهتها بالاتهام، دافعت عن نفسها ذلك بالقول أنها لم تقصد قتل المجني عليه؛ فاستعرض الادّعاء العام أدلّة الثبوت التي تقطع بالجزم واليقين بأن قصدها انصرف فعلًا إلى إزهاقِ الروح؛ إلا أنها تمسَّكت بدفاعِها نفسه المتمثل في أنها ما قصدت من استدراجه إلى بيتها، إلّا لأجل استلام ذاكرة التلفون (الميموري)، المشتمل على صورها؛ مُؤكّدةً أنها أوهمته، عبر الهاتف، بالرضوخ لمطلبه وبتسليمه نفسها للعبث بها؛ إلا أنها اشترطت أن يكون ذلك بعد استلامها للذاكرة.
وعن سبب إخفائها لأداةٍ قاتلة بطبيعتها (سكينًا) بين طيات ملابسها، والذي يكشف عن إضمارها لقصد القتل؛ أفادت أنها، إن كانت قد أضمرت شيئًا، فإنما أضمرت عدم الرضوخ للمجني عليه، وعدم تسليمه نفسها، بعد حصولها على مطلبها، وهو الذاكرة المشتملة على صورها؛ ولم يكن أمامها من سبيلٍ إلى ذلك، سوى التسلُّح بتلك السّكين، لقصد التهديد بها فقط، دون استعمالها؛ إلا أن إصرار المجني عليه على تغيير الخطة المُتفق عليها، والمتمثلة في تسليم الذاكرة أولًا، ثم العبث بها؛ بل، وشروعه فعلًا في الامساكِ بها والنيل منها، هو الذي دفعها إلى إخراج السّكين من مخبئها، واستخدامها بتلك الطريقة الخارجة عن سيطرتها.
مُؤكّدة أن المجني عليه أبدى مُقاومةً شديدة؛ ولو لم تستمر هي في الضرب، لكان قد تمكّن من السيطرة على الموقف، بسبب قوته التي تفوق قوتها، ولنزع السّكين من قبضتها؛ ولَنالَ من شرفِها عندئذٍ.
وعليه، تمسَّك المحامي بأن موكّلته كانت في حالة دفاعٍ مشروع.
حادي عشر ـ الحكم:
بعد أن استمعت المحكمة إلى الأطراف جميعهم، وناقشت الأدلّة القولية والفنية بكُليّتها، استبعدت انطباق حالة الدّفاع المشروع؛ كون المتهمة لم تكن في مكانٍ ناءٍ؛ بل كانت في حوش منزلها المأهول، وكان بإمكانها، والحال كذلك، الاستغاثة بأهلِها، أو التحصُّن بداخل البيت، فور إلماحها للغدر من المجني عليه؛ إلّا أنها لم تفعل؛ وآثرت، بدلاً من ذلك، استخدام سلاحًا قاتلًا بطبيعته؛ بل والإصرار على استخدامه.
ترتيبًا على ما تقدَّم، وبالبناء عليه، حكمت المحكمة حضوريًا بإدانة المتهمة بجناية التسبُّب بموت المجني عليه بغيرِ قصدِ القتل، وفقًا للمادة (238) من قانون الجزاء، رقم:(7 /1974)، ومعاقبتها بالسَّجن خمسِ سنوات، وإلزامها بتعويض ورثة المجني عليه مبلغًا وقدره خمسة عشر ألف ريال عماني، وإلزامها المصاريف.
ثاني عشر ـ كلمة ختامية:
ينتهزُ الادِّعاء العام هذه السَّانحة ليحذّرَ العامة من مغبّةِ الرّضوخ لطلبات المبتزين؛ إذ أنها، على عكس ما قد يعتقدون، لا نهاية لها؛ إذ من المحال أن يكتفي المبتز ممّا سيحصل عليه من ضحاياه لمرةٍ واحدةٍ فقط؛ وإنما سيكون أمام سلسلةٍ من المطالبات المالية، وربما الجنسية.
فمن الأفضل والأسلم للضحايا أن يبادروا بإبلاغ الشرطة، التي ستتعامل مع الموضوع بسريةٍ بالغة، دون وصوله إلى أقرب الأقربين إليهم.
وعلى الأهل، من ناحيةٍ أخرى، أن يكونوا قريبين من نفوس أبنائهم، ويعودوهم على مصارحتهم ومكاشفتهم بكلِّ ما قد يتعرضون له من مشاكلٍ اجتماعية أو عاطفية؛ وأن يبثوا فيهم روح الطمأنينة والأمان تجاههم، ويزرعوا في عقيدتهم حقيقة أنهم سيقفون معهم ويساندوهم مهما بلغ حجم المشكلة أو الخطيئة.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى