العدوان الذي شنه الطيران الحربي لكيان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة فجر أمس ليس أول عدوان كما أنه لن يكون العدوان الأخير على القطاع، فهو أحد التعبيرات الدالة على همجية هذا الكيان الاحتلالي ومدى سطوة إرهابه الذي لا تحده الجغرافيا الفلسطينية، بل ولا تتسع له.
لقد دأب كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ توقيع اتفاقية أوسلو وإلى الآن على المزاوجة بين المفاوضات العبثية الماضية واللاحقة والحالية والمؤتمرات العقيمة كمؤتمر شرم الشيخ ومؤتمر أنابوليس وغيرهما، وبين توسيع رقعة الإرهاب والعدوان في أكثر من اتجاه ليتجاوزا الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يرى قادة الاحتلال الإسرائيلي أن هذه المزاوجة هي الوسيلة الملائمة التي تسمح لهم بمواصلة نهب فلسطين بأكملها وإبادة الشعب الفلسطيني قتلًا وتهجيرًا.
ولذلك فإن العدوان الإرهابي “الإسرائيلي” المتكرر، سواء على قطاع غزة أو على الضفة الغربية والذي يتم تحت أكاذيب ومزاعم مفضوحة من قبيل مطاردة مقاومين فلسطينيين يسميهم المحتل “إرهابيين” وإسكات الصواريخ المنطلقة من غزة، هو ليس طبيعة مترسخة ومركبة في جسم كيان الاحتلال الإسرائيلي وعقلية مجرمي الحرب “الإسرائيليين” فحسب، وإنما أيضًا وسيلة من وسائل الابتزاز والضغط لإجبار الفلسطينيين على تقديم المزيد من التنازلات لتتعدى حتى أبسط ثوابتهم الوطنية. فالعدوان الذي شنه الطيران الحربي الإسرائيلي فجر أمس على قطاع غزة جاء مباشرة بعد رفض كيان الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وبعد الصمود الفلسطيني اللافت لمواجهة الغطرسة والصلف ومقاومة وسائل الابتزاز المتوالية، في محاولة بائسة ويائسة من المحتلين الإسرائيليين للخروج من أزمتهم السياسية بتنكرهم لما يجب عليهم الالتزام به تجاه عملية السلام من استحقاقات وما تتطلبه المفاوضات الحالية من إرادة وعزيمة واستعداد من قبل كيان الاحتلال الإسرائيلي إن كان صادقًا فيما يدعيه من رغبة في تحقيق السلام الشامل. فالمعروف عن المحتلين الإسرائيليين أنهم حين يشعرون بضيق مساحة المناورة وانحشارهم في الزاوية الضيقة وتسلط الأضواء على أدوارهم السلبية وتنمرهم يحاولون تصدير أزمتهم وخلط الأوراق وإثارة التشويش والبلبلة، حيث لا يزال شن العدوان الإرهابي في أي اتجاه الوسيلة المثلى للتخلص من عبء الأزمة السياسية، خاصة وأن حليفهم الاستراتيجي الولايات المتحدة ـ وإن كانت هي الأخرى تتحمل المسؤولية بصورة أكبر ـ اتهمتهم صراحة على لسان وزير خارجيتها جون كيري بتخريب المفاوضات الحالية وإعاقة عملية السلام. وبالطبع هذا الاتهام يرفع الحرج والعتب عن الجانب الفلسطيني بطلبه الانضمام إلى خمس عشرة معاهدة دولية، ويؤكد أن الفلسطينيين كانوا وما زالوا على حق، وأنهم قدموا من التنازلات المؤلمة الكثير، في حين لم يقدم عدوهم المحتل تنازلًا ولو بسيطًا.
إذن، على كيان الاحتلال الإسرائيلي وحليفته الولايات المتحدة مراجعة سياساتهما والتخلي عن الحماقات والمغامرات وأساليب اللف والدوران لخلط الأوراق والتشويش والابتزاز، وتخلي أميركا عن احتكار المرجعية لنفسها فيما يخص ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأن تعترف بعجزها عن القيام بالدور الإيجابي المطلوب من الوسيط، وأن تترك للقوى الدولية القيام بدور الشريك في هذه المهمة، وحين تفعل واشنطن ذلك فإنه يمكن ساعتئذ الحكم على جديتها في حل الصراع، وإلا فلا.