زهير ماجد
كان سمير جعجع يتابع الانتخابات الرئاسية في مجلس النواب اللبناني من داره في بلدة معراب وعلامات التوتر بادية عليه، كأنما كان يتوقع حدثا غير ذاك المتعارف عليه، وهو ان هذه الجلسة الأولى من الانتخابات لن تحظى بما يمكنه من الفوز، وانما هي جلسة بروفة تعطي الصورة الممكنة لما ستكون عليه جلسات الانتخاب الأخرى.
اما مجلس النواب فكان في مكان آخر، كانت علامات الهزل الانتخابي بادية عليه رغم الجدية التي يخلقها عادة رئيس المجلس نبيه بري .. لم يكن منتظرا من هذا المجلس ان يضع خاتمة محددة للانتخابات الرئاسية اللبنانية، فكلمة السر لم تلحظ عند أحد، والوصاية الخارجية لم يتعين علينا امر اكتشافها على وجه السرعة، فكل ما حصل اذن هو محض لبناني من اجل ان تكون انتخابات أمس مقدمة مقنعة للناس انها لبنانية ومن صناعة اللبنانيين، فيما اعتقد ان اكثر الانتخابات الرئاسية اللبنانية صناعة خارجية هي انتخابات هذا العام ..
أسقط جعجع بالورقة البيضاء التي كان لها معنى واحد، خصومة مطلقة معه، لم يختبئ المعنى في قلب هذا الخيار الذي تبناه اكثر من خمسين نائبا، اضافة الى آخرين انتخبوا هنري حلو المرشح المواجه لجعجع، وحتى الأصوات الملغاة جاءت تحمل معاني مروعة لشخصيات متهم جعجع بقتلها عندما كانت له الآمرة.
لا اعتقد ان عدلا في الدنيا يقبل جعجع رئيسا للبنان وهو اكثر من فرض نظام الموت على اللبنانيين وخاصة المسلمين، واني لأحتار، مع معرفتي بالجواب، من تصويت مسلمين له، والتمسك به، نرجو ان يكون من نوع النكايات، والا فنحن امام انقلاب اخلاقي وضميري اكثر منه سياسي اذا تجاوز هذا المفهوم.
توضح جلسة البارحة في البرلمان اللبناني ان كلمة السر لم تسقط بعد على النواب .. ربما حدث ما هو مقدمة لها، اذا عرفنا ان الكلمة هذه حققت هدوءا على الساحة اللبنانية واتفاقات امنية ما زالت سارية المفعول، لكنها لم تشمل بعد من سيكون رئيس البلاد، مع ان مواصفاته متفق عليها، وبقدر ما سيكون الانسجام فيها ايرانيا ـ سعوديا برعاية اميركية واقرار سوري، ستكون النتائج سريعة، واسرع مما نتصور، وستكون الجلسة الثانية للانتخابات يوم الاربعاء المقبل النقلة المنتظرة.
اما وان عدم الوصول إلى هذا الانسجام، فلسوف يعكس الأمر على كل جلسة انتخابية، وقد نصل بعدها إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية، خصوصا وان المهلة النهائية لبقاء الرئيس في السلطة تنتهي في 25 مايو المقبل.
ما جرى بالأمس في مجلس النواب اللبناني بروفة فيها جانب هزلي رغم محاولة الجدية. اعتقد ان الشعب اللبناني لم تعد تمر عليه مشاهد من هذا النوع، فهو يعرف ان الرئاسة اللبنانية مطلوب منها اكثر من اي وقت مضى ان تكون في مستوى المرحلة التي تمر بها المنطقة وخصوصا على صعيد الوضع السوري، وكل الانعكاسات على الساحة اللبنانية من جرائها. أي ان لبنان يحتاج إلى رئيس توفيقي يمكن من لعب دور كبير على مستوى الداخل اللبناني المنقسم والمشرذم بين افكار واحزاب وتنظيمات، وان لبنان لم يشهد مثل هذه الاختلافات خلال كل تاريخه تنوعا وتأثيرا. وان لبنان لا يمكنه الا ان يكون حاضرا في القضايا المصيرية التي تهم سوريا بالدرجة الأولى.