بعد الإعلان الأميركي بالتوقف عن رعاية المفاوضات لفترة من الوقت، هل هذا يعني أننا سنكون أمام فترة من الجمود لعملية المفاوضات بين الفلسطينيين والمحتل الإسرائيلي، في حين يستمر هذا المحتل في ممارساته وانتهاكاته الاحتلالية الباغية والمستهترة بكل القيم والشرائع والقرارات الدولية من استيطان وتهويد وتهجير واغتيال بالوتيرة ذاتها قبل وأثناء وعقب كل جولة تفاوض فاشلة؟
كل المؤشرات تؤكد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ماضٍ في مشروعه التصفوي للقضية الفلسطينية غير مبالٍ بموقف فلسطيني هنا، وتصريحات أميركية لذر الرماد في العيون هناك.
إن من يقف على حدود التصريحات الأميركية حول المواقف المتعنتة للحليف الاستراتيجي الإسرائيلي يتوهم أن المسؤولين الأميركيين يعتصرهم الألم من هذه المواقف، وأنهم يشعرون بالحرج الشديد أمام حلفائهم من العرب والأوروبيين، وأن الولايات المتحدة تبدو ضعيفة كسيحة أمام صلف حليفها الإسرائيلي وتحديه لإرادتها.
إلا أن واقع التصرفات الأميركية العابثة، سواء في المنطقة أو في مناطق أخرى يبدد كل هذه الأوهام ويعرِّي أي موقف تعلنه الإدارة الأميركية، فالعبث بأمن المنطقة وتدمير دولها وتفتيتها وزعزعة استقرارها كما هو حاصل الآن في العراق وسوريا ولبنان ومصر بقيادة الولايات المتحدة، هو من أجل تأمين حليفها الاستراتيجي (كيان الاحتلال الإسرائيلي) وهما الاثنان معًا يقودان مشروعًا تدميريًّا تفتيتيًّا لإعادة تقسيم خريطة المنطقة بما يتلاءم مع المشروع الاستعماري الأكبر والأحلام التلمودية للمحتلين الصهاينة، وبالتالي ما يطلقه الأميركيون من تصريحات ضد حليفهم الاستراتيجي من قبيل أن كيان الاحتلال الإسرائيلي “دولة عنصرية” واتهامه بعرقلة المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين وإفشالها، كل هذه التصريحات تقتضيها قواعد اللعبة أو بالأحرى المؤامرة التي تدار صهيو ـ أميركيًّا، وتنفذ بأدوات عميلة ووكيلة إقليمية ودولية، حتى يظهر الأميركي أمام العالم بأنه ذلك النزيه أبيض اليدين الساعي إلى إرساء قواعد السلام والأمن الدوليين في العالم، وأنه يشعر بالألم والحزن لما يصيب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب العالم من آلام ومآسٍ وظلم وسلب للحريات، بمعنى أن مقتضيات المؤامرة أن يغطي الأميركي على دوره المدمر والمتآمر، فأن تلصق التهم بالإسرائيلي أقل وقعًا من أن تلصق التهم بالأميركي، ولا يعرقل الخطط ولا يسقط الأقنعة عن الوجوه المنافقة والمتآمرة. ولكن مع كل ذلك يقر الأميركي ويعترف تمامًا أن المحتل الإسرائيلي أساس كل فشل وكل كارثة ودمار وخراب في المنطقة والعالم، غير أنه حين يتعلق الأمر بالاستعمار والاحتلال والمصالح والأهداف الاستراتيجية تسقط جميع القيم والمبادئ وتنهار كل الأخلاقيات والسلوكيات، والتي يتم توظيفها دعائيًّا وكلاميًّا لفرض أمر واقع وتحقيق هدف ومشروع.