وليد الزبيدي
في ثنايا الخارطة العربية، يتلمس المرء الكثير من الضياع وبمستويات مختلفة، فهناك الضياع العاصف وهناك الضياع الصامت وثمة ضياع ما زال في طور البداية، وقد يسري ذلك ليصل الأصقاع ويعبث هنا وهناك ،ولا يختلف الذين يترنح قاربهم وسط الامواج العاتية عن الذين ينتظرون المقبل من الامواج والصخب والعبث الاعمى.
مستويات الضياع تتوزع بين جوعى لا يجدون قوت يومهم بعد أن كانوا غارقين بكل شيء، لكن عاصفة مفاجأة تبدو غامضة أو معلومة سرعان ما هبّت لتجرف الأخضر واليابس، وضياع أقصى جماعات وشتت صفوف أخرى، ومهما حاول المرء أن يرسم نهاية لهذه العواصف لن يستطيع إلى ذلك سبيلا.
من أبرز ملامح هذا الضياع توقف التنمية الحقيقية في الكثير من المدن والدول التي تعيش في عين العاصفة، ولو أحصينا المدارس المعطلة لوجدناها بالآلاف ومثل ذلك الجامعات والمعاهد ودور النشر والمكتبات والمطابع، وقد لا يتوقف الكثيرون عند هذه الجزئية لكنها خطيرة وحساسة وعميقة التأثير في مسارات بناء الأمم والشعوب، وتعطلت آلاف المصانع في عشرات المدن الكبيرة في مشرق الوطن العربي ومغربه، وهذا يعني خروج مئات الالاف من الايدي العاملة والخبرات في مختلف المجالات ورميها في غياهب المجهول ، ولجوء الناس لاستيراد البضائع والحاجات والمواد الغذائية والطبية والكماليات من الدول الاخرى، ما يعني تطور تلك القطاعات في تلك الدول وتراجعها في دولنا، وثانية قد لا يرى الكثيرون في هذه الجزئية خطرا كبيرا، لكن الواقع يؤشر ذلك وينذر بما هو اسوء، لأن الخسائر لا تتوقف عند الجانب المادي وما يتم صرفه من مبالغ طائلة على تلك الاستيرادات فقط ، بل يتعدى ذلك إلى ما هو أصعب وأعقد ، لأن خسارة الكفاءات العاملة في هذه القطاعات قد يصعب تعويضه وفي حال تواصل هذا الضياع فإن ترميم هذه الثغرات القاتلة قد يكون مستحيلا في ضوء ما ينبيء به الواقع وما تتم قراءته للمستقبل ، فإذا تصورنا المدة الزمنية التي تم فيها بناء تلك الخبرات لوجدنا أنها توغل في القدم ، وأن التراكم اضاف لها الكثير من الحنكة في العمل والإبداع ووصل الكثير منها إلى درجات تنافس الدول المتقدمة في تلك الاختصاصات.
وبسبب التشويش والضبابية وضياع الأمل في بحر الضياع الذي نعيش فقد اضطر الكثير من العلماء والخبراء والفنيين للبحث عن مكان للحياة أو العمل في دول اخرى بعيدا عن الموت والخراب والدمار المتزايد في مدنهم وبلدانهم، في حين اضطر كثيرون للتخلي عن تخصصاتهم، ومن بينهم العلماء والاساتذة ، ليجدوا فرصة للعيش بغرض تمشية امورهم الحياتية اليومية.
مئات الآلاف من العوائل تشردت وتناثرت أشلاء العائلة الواحدة والقرية الواحدة والمدينة الواحدة، منهم من يقبع في السجون والمعتقلات ومنهم من تخنقه مخيمات اللاجئين في أوربا وهناك الملايين الذين يعيشون في العراء.
هل هناك ضياع أسوء من ضياعنا الواسع في وضح النهار؟