احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / أضواء كاشفة : زهرة عمان .. مثال العطاء والنقاء

أضواء كاشفة : زهرة عمان .. مثال العطاء والنقاء

تتميز الأزهار بأنها نبع من العطاء لا ينضب، حتى وإن ذبلت فإن رائحتها لا تزال تفوح منها لتمنح من حولها السعادة والبهجة وراحة النفس .. أما زهرة بنت سالم العوفية فإنها لا تذبل كما قال عنها زوجها لأن عطاءها لا يتوقف طالما قلبها ينبض.
قلة الموارد والظروف القاسية لم تستطع أن تثبط همة العوفية وتثنيها عن نشر العلم بين الأجيال المختلفة؛ لأنها تدرك أن العلم نور العقول والقلوب معا، لذلك أخذت على عاتقها محو أمية بعض الأطفال والأمهات ممن لا يجيدون القراءة والكتابة .. وأطلقت العنان لمشروعها الذي أسمته “محو أمية قريتي مسؤوليتي” حيث إنها تنتمي لولاية الحمراء فثابرت وجاهدت واضطرت أن تمول مشروعها من خلال إعداد الطعام وبيع وجبات جاهزة للمدارس حتى وصل عدد من علمتهم 500 طالب واصلوا مشوارها وأخذوا يعلمون من بعدهم من هم في حاجة إلى العلم لتتواصل مسيرة العطاء.
ومما يدل على أن العوفية تمتلك إرادة حديدية وعزيمة وإصرار على مواصلة مشروعها التعليمي أنها كانت تفترش الحصر تحت الأشجار، وتتخذ من مقرات العزاء للرجال أو البيوت المهجورة بعد تنظيفها فصولا للدراسة، حيث لم تكن هناك مقرات ثابتة لهذه المدارس التي وصل عددها إلى 22 مركزا تعليميا في 22 قرية .. وعندما عرف أهل الخير قصتها حصلت العوفية على بعض التبرعات، فتمكنت وقتها من شراء 6 كرفانات وتجهيزها وتحويلها لفصول دراسية والإنفاق على رواتب المعلمات اللاتي يساعدنها، حيث بدأت كمعلمة ثم استعانت بأخريات مع توسع المشروع وأصبحت هي المشرفة عليهن، وتقول إنها تسعى لتجهيز 4 كرفانات أخرى حتى تواكب الإقبال المتزايد على مشروعها.
الجميل أنه تم تكريم العوفية من قبل عدة دول عربية وأجنبية على جهودها الطيبة لمحو أمية المجتمع ولتعريف العالم بأن هناك عمانية تعطي بلا حدود وتدرك قيمة العلم باعتباره أول طريق التقدم والتطور والنماء.. إلا أن التكريم الأعظم بالنسبة لها هو حصولها على المركز الأول في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي للعام 2017م على مستوى الأفراد.. كما اُختيرت ضمن أفضل 10 نساء مؤثرات ورائدات على مستوى العالم العربي عام 2018م.
نعلم أن المثل يقول “وراء كل رجل عظيم امرأة” بينما في حالة العوفية فإننا نقول إنه “وراء كل امرأة عظيمة رجل” أيضا حيث لم يتوان زوجها سالم العوفي في دعمها ومساندتها في جهودها لاقتناعه وإيمانه بأن زوجته تؤدي رسالة إنسانية عظيمة جعله يشعر أن إنجازها هو إنجاز له شخصيا ولأولاده أيضا.
لقد وضعت زهرة نصب عينيها دائما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” لذلك وهبت حياتها من أجل نيل رضا الله ومحبته وحتى تصطف الأجيال التي نشرت بينها العلم يوم القيامة أمام المولى جل شأنه لتشهد بما فعلته من أجلهم، وهذا قمة العطاء والوفاء.. ورغم أنها أم لسبعة أولاد (4 ذكور و3 إناث جميعهم مجيدون علميا) إلا أن هذا لم يمنعها من تحقيق حلمها في أن تكون عضوا نافعا وفعالا في المجتمع دون مقابل أو انتظار تحقيق مكاسب مادية، فهي تدرك أهمية العلم في حياة الإنسان، لذلك حاولت مساعدة من حرموا من التعليم في القرى المجاورة وفي الجبال لكي يسيروا في درب التعلم سواء القراءة والكتابة أو حفظ القرآن الكريم.
لا شك أن أمثال زهرة العوفية قدوة لكل من يريد أن يحقق هدفا نبيلا في حياته .. فهي شخصية ملهمة تمتلئ بالحب والعطاء والنقاء والتضحية من أجل الآخرين، وقد أدركت بحسها الوطني حجم مسؤوليتها تجاه مجتمعها، وحلمت أن يعيش كل من حولها متعلما ينعم بحياة كريمة حاملا مشاعل العلم والمعرفة ويخدم وطنه بصدق وإخلاص في كافة المجالات .. لذلك فإن أعمالها العظيمة سوف تظل خالدة ومستمرة لأن أثرها مستدام، فهي شمعة تضيء لمن حولها الدرب بنور العلم.
مسك الختام
قال تعالى: “اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم”.

ناصر بن سالم اليحمدي


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى