الثلاثاء ، 24 ديسمبر 2024
احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / أضواء كاشفة: طبيب أون لاين!!

أضواء كاشفة: طبيب أون لاين!!

ناصر بن سالم اليحمدي:
مع تفشِّي جائحة كورونا وفرض الدولة حالة الحظر على معظم الأنشطة الحياتية، ومطالبتها بتقليل التجمعات قدر الإمكان لم يجد الإنسان حلا سوى البقاء في المنزل لتجنب الإصابة بالمرض والحدِّ من انتشاره في المجتمع، وتحجيمه قدر المستطاع بحيث يكون الخروج من المنزل للضرورة فقط.
ومن الضرورات التي يتعرض لها الإنسان ولا يجد بُدًّا من الخروج من أجلها الإصابة بمرض طارئ بعيدا عن كورونا ساعتها يقف المريض حائرا بين خيارين إما تحمُّل آلام المرض والبقاء كما هو في المنزل تجنبا للإصابة بالعدوى، أو الخروج طلبا للكشف والعلاج رغم ما يحمله هذا الخيار من مخاطرة كبيرة نظرا لأن المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية في حدِّ ذاتها قد تشكل سببا للإصابة بفيروس كورونا، فقد يكون الطبيب أو طاقم التمريض حاملا للفيروس دون أن يدري وبالتالي قد ينقل المرض رغما عنه مهما احتاط أو التزم بالإجراءات الوقائية.
وهناك حل ثالث بدأ ينتشر بسرعة في العالم ساعد على ذلك بقاء المليارات حول العالم في المنزل، وهو اللجوء إلى استشارة الطبيب عبر الإنترنت.. فهناك آلاف المواقع يقوم أصحابها بالتعاون مع أطباء في تخصصات مختلفة بتقديم وصفة علاج للمريض الذي يلجأ إليه بعد شرح الأعراض التي يشعر بها.. وهو ما يدعونا إلى التساؤل: هل هذا التواصل يكفي لتحديد نوعية المرض، ثم وصف العلاج على أساسه؟ أليس من الوارد أن تتشابه الأعراض بين الأمراض العديدة؟ أو ألا يستطيع المريض وصف ما يشعر به بدقة من خلال العبارات القصيرة التي يكتبها وبالتالي لا يتم تشخيص الحالة بصورة صحيحة؟
بالتأكيد كل هذه المخاوف واردة، وأكثر منها كأن يكون الموقع مزيفا ولا يعتمد على أطباء أكفاء أو يعتمد على متخصصين ذوي خبرة محدودة أو على غير متخصصين بالمرة، وإنما يهدف إلى تحقيق الربح حتى ولو على حساب صحة المرضى وغير ذلك من المخاوف المشروعة التي يجب أن توضع في الحسبان عند اللجوء إلى الطبيب الأون لاين.
نحن لا ننكر أن هناك فوائد عديدة لتواجد أطباء على “السوشيال ميديا” أو على الإنترنت عموما واستشاراتهم قد تكون مفيدة، ولكن هذا يكون في حالة الأمراض ذات الأعراض الخفيفة التي لا تشكل خطورة على حياة الإنسان، أما الأمراض المزمنة أو الخطرة فيجب أن يفحصها طبيب ثقة كفء على الطبيعة وليس أون لاين لأنها تتعلق بحياة الإنسان.. كما أن معظم هذه المواقع لا تحافظ على خصوصية المريض، ونرى فضفضة المريض بالأعراض والرد عليها منشورا على الموقع، وهو ما قد يسبب حرجا لهذا المريض وأهله.
إن الطب مهنة سامية يجب أن يكون لها احترامها وقدسيتها والعلاقة بين الطبيب والمريض قائمة على الثقة والتي لا ينبغي أن تهتز بسبب الخوف من فيروس كورونا، وعلى المريض أن يوازن بين حاجته الملحة للذهاب للطبيب أو المستشفى والكشف على الطبيعة وبين اللجوء إلى مواقع التواصل طلبا للاستشارة فحالته الصحية ومقدار التعب الذي يشعر به هو الذي سيحدد خط سيره.. عافانا الله جميعا وإياكم وأبعد عنا وعنكم شر الأمراض والأوبئة، وحفظ بلادنا من كل شر وسوء.
* * *
عندما ظهر فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″ وبدأ يصيب البشر وجد نفسه أمام العديد من الأسلحة الفتاكة التي تتصدى له وتحاول أن تقهره وتقضي عليه منها المناعة الطبيعية للجسم والتي تُعد خط الدفاع الأول الذي يحمي الإنسان وأيضا اللقاحات والأدوية، وكذلك التدابير الاجتماعية بغسيل الأيدي والتعقيم المستمر والتباعد الجسدي وارتداء الكمامات وغير ذلك من الإجراءات الاحترازية.. ومع كل هذه المقاومة لم يجد الفيروس أمامه خيارا سوى التكيف مع المستجدات وتطوير مقاومته حتى يستطيع أن تكون له القدرة على الإمراض بما عرفه الأطباء بأنه “تحوُّر فيروسي متسارع” يشمل السلوك والتكوين وإنتاج سلالات جديدة تحتوي على طفرات من شأنها أن تجعل الفيروس أكثر انتشارا وضراوة ومقاومة لآليات الدفاع البشرية.. وهناك دراسات رصدت ما يقارب 13 ألف طفرة طرأت على فيروس كورونا وأنتجت 8 سلالات مختلفة منها السلالة البريطانية والجنوب إفريقية والبرازيلية والرومانية والإسرائيلية والهندية وغيرها.
الآن .. دعونا نقيس تصرف فيروس كورونا على الإنسان.. هل الإنسان مثل هذا الفيروس “يتحور” لكي يتكيف ويتعايش مع الظروف المحيطة به؟
بالتأكيد الإنسان يتحور، فمن ينظر لحال البشر منذ بدء الخليقة سيجد أن لكل عصر سماته وتصرفاته وطريقة تفكيره وتعايشه، فمثلا إنسان اليوم ليس هو إنسان الغاب الذي ظهر منذ آلاف السنين، بل ليس هو ذلك الإنسان الذي كان موجودا منذ مئة عام مثلا أو حتى خمسين بل يمكن القول إن الأجيال بين الآباء والأبناء تختلف أيضا في طريقة تفكيرها وتعايشها مع الظروف المحيطة بها.. فتطور الحياة وتغير مفرداتها فرض على الإنسان أن يساير العصر ويسعى لتطويره باستمرار وبالتالي هو نفسه يصيبه هذا التطوير ويصبح مختلفا مع الأيام.
إننا لو نظرنا لحال الإنسان سنجد أنه يعيش في تحوُّر دائم، فعلى سبيل المثال، تصرفاته في المنزل مع زوجته وأولاده تختلف عن تصرفاته مع زملاء العمل، وتختلف عن تعاملاته مع أصدقائه وهكذا.. وهناك تحوُّر آخر يصيب الإنسان كأن يقوم مثلا بتغيير مبادئه وأفكاره من أجل التقرب من رؤسائه وتملقهم ونفاقهم للحصول على مصلحة شخصية، وهذا بالطبع تحور مذموم يهدم ولا يبني، ويضعف من مناعة المجتمع ككل.
إذا كان الطعام الجيد وممارسة الرياضة والحفاظ على الحالة المعنوية مرتفعة عوامل ضرورية من أجل حصول الجسم على مناعة قوية.. فإن هناك عوامل عدة يحتاجها المجتمع لكي يحافظ على مناعته قوية فلا بد أن تسود بين أبنائه المحبة والمودة والصدق والتصالح النفسي والتعامل بإحسان والتكافل ونشر التفاؤل والابتسام.. فلو انتشرت المبادئ الفاضلة بين أبناء المجتمع قويت مناعته فلا يستطيع أي فيروس أخلاقي أن يدمر أوصاله.


المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى