كنا قد توقفنا في الجزء الثاني من هذا الموضوع عند نقطة ضرورة الاعتراف بالفشل عند الفشل ، وهذا الامر دافع مهم للاستمرار وتقويم أي اعوجاج او أخطاء قد تنشأ من الاجتهادات وهو امر حتمي لا شك .. ولكن المشكلة الكبيرة التي نعانيها هو الوهم الكبير الذي يدفعنا للاعتقاد بأن كل ما نقوم به هو نجاح .. بل وكل الآراء المضادة هي الخطأ .. يجب على المعنيين الجلوس على طاولة الحوار بمكاشفة حقيقية وصادقة من اجل انتشال هذا التشتت الذي نعانيه ، فالهروب وغلق الأبواب وتغليب المصالح الخاصة لن يصلح شيئا ابدا ، وما أقصده بـ”المعنيين” استثني منه كل من لا علاقة له بالدراما في هذا البلد ، واما المجاملات من خلال معايير اعداد المشاهدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتصفيق الاستحياء “نكسة عظيمة” تعمينا عن طريق الصواب ،، في الجزء الثالث هذا والأخير اتطرق إلى “حارة الاصحاب” بصفته مسلسل بُث إلي كمتلقي عبر تلفزيون سلطنة عمان .. وبصفتي مشاهد لي الحق في كتابة ما أريد بذاتي التي رأيتها به متجردا من أي عواطف أخرى ومن خلال ردود فعل المشاهد البسيط الذي يحلم بعودة دراما عمانية تمثله .. مع التنويه ان صور مشاهد المسلسل المعروضة ليست بالضرورة انها غير معنية ، بل هي مقصودة تماما ،،،
من خلال ما تم تقديمه من نصوص اجيز بعضها ورفض بعضها وانتُشِل بعضها من الملفات القديمة وأعيدت صياغتها لتجاز مجددا .. يعتبر نص ” حارة الأصحاب” نصا جديدا كونه اساسا لم يكن ضمن تلك النصوص واقول ذلك لأنه حتى نهاية شهر سبتمبر من العام 2017 لا يوجد اي نص بهذا الاسم سواء تم إجازته او رفضه واعتقد انه دخل في حيز الاشتغال في شهر نوفمبر من العام المنصرم بعد إقناع المسؤولين في هيئة الإذاعة والتلفزيون بتقديم مسلسل جديد ومغاير لشهر رمضان .. من هنا بدأت الفكرة لمسلسل كوميدي يضم مجموعة كبيرة من النجوم (بمقابل رفض احد طاقم الإنتاج وصفه بأنه “كوميديا”) ومع ذلك اثار المسلسل حفيظة بعض الكتّاب الذين سبق ان تقدموا بأفكار ونصوص جاهزة .. ففكرة مسلسل “حارة الأصحاب” البعض يجزم انها له ، والبعض الآخر يرى بأن الاحداث في المسلسل تشابه كثيرا مع احداث نصه مع اختلاف في الأدوار ، ـ كل ذلك ـ لا يهم الآن .. الذي يهم ما ظهر في الشاشة وتابعه “المشاهد” .. منذ الحلقة الأولى ادركنا بأن درامانا ما زالت في زاوية الانهيار .. ولكننا لنكون حياديين تابعنا كل شيء حتى ذاع صيت الإخفاق كل ارجاء الوطن العربي بذات (وسيلة التواصل الاجتماعي) التي كان “البعض” يشيد بها وبنسبة عالية من المشاهدة .. انتهى المسلسل ولم نفهم ماذا كان يريد أن يقول ؟ ما هي الرسالة التي اراد إيصالها في كل شيء .. في البيئة التي تبناها ويقول انها تمثل ذاكرة للمجتمع ؟ في الحوارات التي تدور وتشتت فكر المشاهد ؟ في جمع النجوم الذين لم يكن لهم حول ولا قوة في السيطرة على مكامن الضعف ؟ في الرؤية الإخراجية الضعيفة من ناحية والمبتورة من ناحية أخرى .. حقيقة وبكل صدق .. ماذا كان يريد ان يقول هذا المسلسل ؟!
وتأكيدا على الكتابة المتأخرة ، ووضع الموازنة المتأخرة ولأن النص غير مكتمل في اساسه فإن الربكة المتكررة تؤكد تغيير مدة الحلقة من 45 دقيقة إلى 25 دقيقة ، هذا التغيير في المدة وقياسا على الموازنة واستنادا على ما شاهدناه على الشاشة هل يستحق كل هذه الموازنة المبالغة جدا جدا جدا ؟ .. لماذا هذا الارتباك الواضح في تنفيذ العمل والبادي في الشاشة؟ هل اوكل فعلا تنفيذ العمل إلى فريقين مختلفين ؟ لم يتوافقوا في خلاصة النتاج النهائي ؟ هل فعلا تم حذف مشاهد يتم التحضير لها اليوم و لا يتم تنفيذها غدا؟ .. أعتقد أن النص لم يقدم أي شيء بتاتا نستطيع ان نبرر الموافقة عليه كـ “نص” في الاساس فلم نراه مسلسلا متصلا نفهم قصته إلى نهايتها ولم نراه متصلا منفصلا يطرح قضية او فكرة معينة تهم المجتمع ، في الواقع ان “النص” و”الرؤية الإخراجية” افشلا العمل في حين كان من المفترض ان يكونا ركنا مهما ان أخفق احدهم يقّومه الآخر .. وهنا يبدو لنا ان النص والإخراج ترافقتا في إفشال العمل منذ البداية ، في حين ان حالة الفوضى الواضحة تشير إلى فراغات غير مفهومة ما يؤكد ان انتاج الفوضى لن يثمر عمل جيد مهما بلغ الأمر.
لا صرف واضح !
لم يبدو لنا مع الموازنة الممنوحة أي صرف عادل تجاه العمل .. كان يجب عدم الاكتفاء بأقل الامكانيات فلا مدينة صنعت تتناسب مع تلك الحقبة التي يرويها المسلسل ولا ادوات ملموسة تم شراؤها تؤكد الحقبة المعنية .. ولا إيجارات كبيرة صرفت للإقامة مثلا في مدينة عمانية نعرفها جيدا ونعرف إمكانياتها و تفاصيلها .. ولن نتحدث عن الامكانيات الفنية الأخرى التي تجاوزتها (الصنعة التكنولوجية) نفسها ، وان افترضنا ان كل ما تم ذكره غير صحيح لم تقدم لنا الشاشة فارقا صنعته تلك الإمكانيات ، لانه في الواقع “النص” و”الإخراج” هما اللذان يصنعان الفارق في حال اخفقت تلك الفنيات .. فلا نحن بهذا ولا نحن بذاك.
موافقة النجوم !
يرى البعض ان إيجابية هذا العمل الوحيدة هي جمعه لنجوم السلطنة في عمل واحد .. وفي الحقيقة ما زلت حتى اللحظة لم استوعب لماذا وافق هؤلاء النجوم (الذين نقدّرهم ونكّن لهم كل المحبة والاحترام ) المشاركة في هذا المسلسل الذي منحهم وهم “نجوم” مسمى “البطولة” في حين انه لا بطولة لهم في الواقع ، فالأدوار الأساسية اسندت إلى شخصيات أخرى كان لها “البطولة” واقعا .. الم يفهم هؤلاء النجوم هذا الأمر ؟ ولماذا قبلوا به ؟ ، هل شح الأعمال الدرامية في السلطنة و رغبة النجم العماني التواجد في الأعمال المحلية وإغراء وجود كوكبة من النجوم الذين تربينا على إبداعاتهم كانت هي الأسباب الحقيقية في “الموافقة” .. ام ان هناك اسبابا أخرى لم نفهمها حتى اللحظة مع استثناء “العائد المادي” لأني اعرفه جيدا في ظل المحددات المرجعية لقيمة الفنان العماني المهضوم حقه اساسا.
إذن هذه (الجمعة) في الحقيقة لم تكن إيجابية لأنه كان من المفترض ان يحسب المنتج ألف حساب لهؤلاء النجوم بـأن لا يشوه صورتهم وتاريخهم بهذا الشكل الذي ظهروا عليه في ادوارهم .. ومع كل ذلك فأن أغلب الفنانين العمانيين الذين ظهروا في المسلسل واخص النجوم بالذكر كانوا مبدعين في “اداء الدور” المنوط بهم مع حجم المساحة “الضيقة” التي اتيحت لكل فنان ، فشكرا لجمعة هيكل الذي كان فارقا في ادائه شكرا لفخرية خميس التي قدمت دورها بقوة رغم بساطته .. شكرا لصالح زعل الذي أبدع في ادائه رغم هزالة الدور في الواقع .. شكرا لسعود الدرمكي الذي قدم تجربته كما عهدناه به .. شكرا لأمينة عبدالرسول ولمحمد نور .. شكرا لخليل السناني الذي امتعنا بإجادته دوره كما ينبغي .. ولعبدالسلام التميمي الذي حمل رائحة الزمن الجميل … شكرا لكل الفنانين العمانيين الآخرين الذين أكدوا ان الازمة الدرامية ليست أزمة “فنان” انما هي ازمة نص وإخراج .. حتى اولئك الذين يتواجدون لأول مرة في “مسلسل” أثبتوا ان الساحة الفنية تزخر بكوادر مبدعة تحتاج فقط إلى التوظيف الصحيح ، ومع الدور الذي أتقنه الفنان المصري المعروف علاء مرسي الا انني في الواقع حزين جدا للحضور الهزيل الذي اوكل للثنائي البحريني الفنان خليل الرميثي والفنان علي الغرير اللذين شوها صورتهما بالمشاركة فهما لم يقدما فيه أي شيء يذكر ولم يبدو لي تواجدهم الا لاستغلال شهرتهم وقبولهم عند المشاهد وهو امر واضح وجلي كان يجب عليهم التنبه له.
اعتزال التمثيل!
في هذا السياق اتمنى ان يعيد بعض الفنانين المسرحيين المبدعين على الخشبة النظر في ان يكونوا ممثلين على هذه الشاشة التي لا تستر احدا .. يتطلب من البعض قرارا جادا ليس في إعادة نظر فحسب انما “التوقف” التام عن اداء مثل هذه الأدوار لانه مهما بلغت محاولة الإتقان والإجادة فلن تفضي إلى اكثر مما شاهدناه من “التصنع” و”الإسفاف” و”الهزالة” ما أجمل ان نظل أبطالا على خشبة المسرح التي نجيدها وان ننأى بأنفسنا عن الشكل الذي لا يليق بنا ولا نليق به .. هذه دعوة محبة لإعادة تصحيح المسار بعيدا عن المجاملات التي لو استمرت ستهدم بطولاتنا حتى على خشبة المسرح .. فان نمتلك القليل وهو سامٍ للمجد أفضل بكثير من ان نحاول امتلاك كل شيء و ننتهي في الحضيض.
اللهجات
“اللهجات” .. المشكلة الأزلية التي تعاني منها الدراما العمانية .. المشكلة التي تنطلق منها كل الانتقادات نحو مشاكل أخرى .. عمان العظيمة بتعدد لهجاتها وثقافاتها ما زلنا إلى اليوم لم نستطيع وضع توليفة تتناسب واحداث العمل الذي ننتجه ، ما زلنا إلى اليوم لم نفهم ان هنالك إشكالية حقيقية في تعدد اللهجات في البيت الواحد وما زلنا لم نستطيع خلق المبررات لتمرير ذلك .. ومسلسل “حارة الأصحاب” اخطأ كثيرا في مسألة اللهجة دون مسوغات للامر .. خلط اكثر من لهجتين في البيت الواحد بين الاسرة الواحدة ، اخفق كثيرا في التعامل مع هذه النقطة التي شكلت مرتكزا حقيقيا للفت انتباه المشاهد منذ الوهلة الأولى خاصة مع وجود فنانين من دول خليجية أخرى وبالتالي عدم تبرير هذا الزج الواضح للهجة خليجية في المسلسل امر غير مقبول في حين لا يمكن الاعتماد على لقطة عابرة يُعتقد انها تبرر “الزج” والإستناد عليه كمنطق يبرر الأمر ، والحديث عن اللهجات يطول ويجب الوقوف معه بشكل جاد من قبل المعنيين في القطاع الدرامي بالسلطنة.
طلبة مدارس !
“أعمار الطلبة” في المشاهد المدرسية غير مبررة بتاتا ولو اراد كائن من كان تبريرها من خلال مسألة “الرسوب” في الوقت الذي ارادت به الرؤية الإخراجية استغفال نظرة المشاهد من خلال الحوارات الهزيلة في المشاهد لتحقيق “الصغر الفكري” وليس “السن” الا انه لا يوجد أي رابط بين حتى الطالب في الثانوية بأعمار أربعينية أو تلك التي تناهز الخميسن .. الا اذا كانت المدرسة لـ “محو الأمية” عندها سنتجاوز نظرتنا السلبية للعمل نحو القبول على مضض مسلمين بالامر ، ولكن عندما قبل المسلسل على نفسه ان يكون “أضحوكة” امام عين المشاهد فلا بد ان يقبل “الضحك” على كل شاردة وواردة .
خدع الهواة !
اعتمد المسلسل في بعض مشاهده على “الخدع والجرافيك” وما ظهر للأسف يظهر لنا كمية الاستسهال الغريب الذي قدمه المنتج المنفذ في تحقيق ذلك ، خدع وجرافيك يمكن صناعتها عبر الهواتف النقالة بأسهل الطرق وبأقل الإمكانيات و لا اعلم ما الداعي لها أصلا .. فنحن امام مسلسل “كوميدي” هزيل كما نشاهده ومسلسل “اجتماعي” “كبير” كما يراه المنتج المنفذ ولسنا امام فيلم رعب بحاجة إلى كل ذلك .. إن كنا لا نجيد الأمر فما أسهل ان نستعين بالخبرة ، وما اجمل من ذلك ان نقدم الواقع وما اجمل منه ان نعترف بالفشل ونبتعد عن الخطأ من الأساس .. فالخدع والجرافيك التي ظهرت لم نشاهد واقعيتها حتى في الرسوم المتحركة ، ما يؤكد ذلك الاستهال الأخطاء القاتلة في الراكورات وتقديم مشاهد عن أخرى و غيرها التي لم ينتبه لها بتاتا لا مونتير ولا مخرج ولا رقابة فنية ولا غيره .. وحده المشاهد اكتشف كل ذلك فكان جزاء رأيه التقزيم والاسخفاف من بعض المحسوبين على العمل.
ختام
في الختام اتمنى من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إعادة النظر في المنتج المنفذ ليس بقطع “دعمه” انما بتشديد الرقابة على جودة الأعمال ومراقبتها فنيا من خلال لجان محايدة مختصة لا تربطهما أي علاقة بالأعمال المقدمة وتحديد رؤية العمل النهائي بعد مراقبته والموافقه عليه وتحديد النسب المالية لإنجاز العمل فإن ظهر بحسب المتفق عليه وبالصورة التي تمحي آثار المسلسلات الفاشلة التي بثت سابقا منح الضوء الأخضر للبث ، وإن لم يحقق المطلوب فأعتقد من الضروري تفعيل البنود المالية وما المانع من محاسبة “المنتج المنفذ” ؟! خاصة وأننا على مشارف انتاج ثلاث مسلسلات قادمة لا نعرف “إمكانياتها الفنية” و نخشى ان تكون الموافقة عليها خضعت لذات المعايير التي خضع لها مسلسل “حارة الأصحاب” وهو ما يجعلنا لا نتأمل خيرا في القادم !
فيصل بن سعيد العلوي
المصدر: اخبار جريدة الوطن