د. يوسف بن علي الملَّا:
خلال الأشهر الماضية من جائحة كورونا، كنا دائما ما نردد: ابقَ بالمنزل .. ابقَ ببيتك. البيت هو المكان الذي يجب أن تشعر فيه بالأمان. بل وربما التواجد فيه يعني قبل كل شيء أن تكون في مكان عزيز عليك، وبكل إنصاف يجب أن تعني هنا الحماية التي كنا نبتغيها ونحن نقول: كورونا .. ابقَ بالبيت.
وعلى الرغم من ضرورة إبطاء انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، إلا أن الإجراءات مثل التباعد الاجتماعي، وتقييد السفر، وإغلاق المؤسسات المجتمعية في وقت ما من الجائحة، من المرجح أنه كان له دور وبشكل ما في زيادة معدلات العنف الأسري في معظم دول العالم. بطبيعة الحال تتمثل إحدى النتائج العديدة والمؤسفة لجائحة كورونا في تصاعد العنف الأسري بين الأزواج أو ضد الأطفال. وهو بلا شك سلوك يراد به إثارة الخوف أو التسبب بالأذى، سواء كان جسديا أو نفسيا، أو توليد الشعور بالإهانة وصولا إلى التهديد. وهنا بالتأكيد يظهر لنا كمتابعين ونحن في ظل التغيرات التي شهدناها خلال هذه الجائحة، كيف أن الكثير من الأزواج في مكان واحد طوال الوقت وما ينتج عن ذلك ربما من تصادم، وقد يزيد وجود الأطفال من العبء على الزوجين ونشوء الصراع والعنف بينهما.
ولعلَّنا نستطيع القول بأن تلكم التغييرات الكبيرة والتي طرأت على حياتنا الروتينية كإرشادات التباعد الاجتماعي وبروتوكولات السلامة أدت إلى العزلة لمعظم الناس، ناهيك أن معظم أولئك المرضى الذين دخلوا العزل الصحي نتيجة إصابتهم بالفيروس، أو التزموا بالتباعد الاجتماعي قد تتطور لديهم أعراض الغضب والارتباك ومتلازمة الإجهاد التالي للصدمة، إضافة إلى أن هنالك مجتمعات أخرى أفرادها يبدؤون بتعاطي المواد المخدرة خلال خضوعهم للحجر المنزلي مثلا!
من ناحية أخرى، كلنا يعي أنه في العائلات خصوصا قد يكون هنالك ضغط إضافي ناتج عن العمل من المنزل، ورعاية الأطفال، إما بمساعدتهم في المدرسة خلال الفترة الماضية من الجائحة أو إبقائهم مشغولين خلال أشهر الصيف، لا سيما وأن هنالك بكل تأكيد عائلات تأثرت أيضا ماديا أو بفقدان الوظيفة ومخاوفها المالية، فضلا عن فقدان الروابط والأنشطة الاجتماعية والتي بلا شك كلنا يحن لها.
لافتا ونحن نمر بهذه الجائحة للدراسات التي تشير إلى أن معدل العنف الأسري قد زاد بنسبة 20% على مستوى العالم خلال فترة كورونا، وما نلاحظه من ضغوطات تواجهها العائلات الآن وغدا، وهو قد يكون ربما وقتيا بانتهاء أسبابه أو على الأقل باختفاء محفزاته. فعلى سبيل المثال، قد تواجه العائلات ضغوطا إضافية إذا مرض فرد من العائلة، علاوة على ذلك، قد تظل المدارس مغلقة خلال الأشهر القادمة، ويستمر التعلم الافتراضي، وهذا النقاش مستمر على مرأى من الجميع، إذا ما أدركنا أنه وخلال هذه الفترة من هذه الجائحة، غالبا ما يستجيب الأطفال للإجهاد وفقدان الروتين المعتاد بتغييرات في السلوك مثل نوبات الغضب والانسحاب والبكاء وصعوبات النوم، وقد لا يفهمون سبب شعورهم بهذه الطريقة، وهنا للأسف قد يسيء الآباء فهم هذه السلوكيات على أنها متعمدة، في حين أنها في الحقيقة أعراض للتوتر!
إضافة إلى ذلك، من المهم إدراك أنه قد تتفاقم المخاطر بسبب الضغوط الإضافية التي تجعل العديد من الآباء يواصلون العمل بدوام كامل خلال هذه الفترة من الجائحة. فإذا كان يجب على الوالدين مغادرة منزلهما للعمل، فإن الأطفال يواجهون مخاطر متزايدة للإهمال (أي عدم وجود إشراف كافٍ لمنع الأطفال من الأذى). بينما في حالة العمل من المنزل، يضطر الآباء والأمهات الذين لديهم أطفال صغار إلى محاولة تلبية متطلبات العمل مع رعاية الأطفال الصغار في نفس الوقت. بكل تأكيد هكذا تغييرات في الروتين مزعجة ومربكة وصعبة للأطفال الصغار. ونرى أحيانا زيادة السلوك المعارض من الطفل، ومن المرجح أن تثير هذه السلوكيات ردود فعل قاسية من الآباء ويؤدي ربما إلى العنف والإساءة والإهمال… وهذا يجرني إلى تساؤل مهم، سواء كانت تلكم الضغوطات أدت بالأخير إلى العنف المنزلي أم ساعدت على إيجاد أجواء متوترة بالبيت، هل ستصمد العلاقات الزوجية خلال الجائحة، وكيف ستكون بعدها؟
حقيقة المفترض ـ ومع التباعد الاجتماعي في فترة الجائحة ـ أن يزداد انسجام أفراد الأسرة، بقضائهم فترة أطول مع أسرهم. ولكن هل ما آلت إليه التقارير ووسائل الإعلام المختلفة من أن هنالك ازديادا في العنف الأسري خلال الجائحة ملقين اللوم فقط على التباعد الاجتماعي والجسدي؟ أم نستطيع القول إن الأسباب هي نفسها قبل الجائحة، ولكن بالأحرى زادت حدتها مع الجائحة؟ ناهيك أن العنف الأسري هنا لا يقف عند المرأة فقط، أو كما ذكرنا آنفا عند الأبناء، بل ربما يكون من الأبناء على آبائهم نتيجة لتقويض حرياتهم كما يدعون خلال فترة الإغلاق بالفترة الماضية مثلا أو من خلال التباعد الاجتماعي، فيتخلص من الطاقة السلبية باستخدام العنف كطريقة لفرض السيطرة وتفريغ موجات الغضب، إن صح لي التعبير.
والواضح جليا أن العنف الأسري أصبح قضية اجتماعية مقلقة، وقد تكون حالة استثنائية خلال هذه الجائحة، تغيرت أحوال الناس فيها، وتسلل هذا الداء ببطء مصاحبا شبح كورونا ليقضي على سلام العائلات. وبالتالي صار الأمر يستدعي إيجاد الوعي الكافي حول زيادة مخاطر العنف أثناء الجائحة أو حتى الأزمات وتسليط الضوء على حاجة الناس للبقاء على التواصل مع بعضهم (مع مراعاة التدابير الاحترازية) وبكل تأكيد الأهمية الكبيرة للإبلاغ عن أي مخاوف من سوء المعاملة.
بالنهاية، من المهم أن نتذكر أن الحفاظ على الترابط الاجتماعي هو استراتيجية مهمة خلال أوقات العزلة أو التباعد الاجتماعي (كما هو الحال مع جائحة كورونا)، والأكثر من ذلك مع العائلة أو الأصدقاء الذين تشك في أنهم قد يكونون معرضين لخطر العنف الأسري.
طبيب، مبتكر وكاتب طبي
المصدر: اخبار جريدة الوطن