سليمان الطائي
” الواقع يقول إن الصحافة الالكترونية ـ مواقع الصحف على الشبكة العنكبوتية ـ لا تستطيع منافسة مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية أو البث الفضائي المباشر، لأنها ستفقد أهم العناصر وهي السرعة والتكثيف والآنية والصورة والصوت المرافق والمؤثرات المرئية والمسموعة، لكنها يمكن أن تترك لها المجال الخبري وتهتم فيما وراء الخبر مثل التوابع والجوانب التحليلية،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قديما تم وصف الصحافة بـ”السلطة الرابعة” نظراً لدورها الأمين والمهم في عملية بناء وتشكيل ثقافة الإنسان، والوقوف دائماً على هموم ومشكلات المجتمعات وكيفية حلها، وكانت حلقة الوصل بين المواطن والمسئول.
وقبل الانفتاح الإعلامى الرهيب الذي شهده العالم في العقود الثلاثة الأخيرة كانت الصحافة الورقية بمثابة الأب لكل وسائل الإعلام التي عرفها العالم فى القرن العشرين؛ لكن وسائل الإعلام التقليدية وخاصة الصحافة الورقية أصبحت تواجه تحديا حقيقيا يتمثل فى شبح جديد اسمه “الإعلام الالكتروني”.
ربما بدأ المهتمون بالأمر ينظرون إلى الصحافة الورقية بأنها يجب أن تكون منافساً قويا للصحافة الالكترونية وأن تقدم لجمهور قرائها وسائل جذب حديثة ومميزة مثل التى تقدمها الصحافة الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى كـ”فيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها”.
الحقيقة أن هناك تراجعاً في الصحافة الورقية تسبب في غلق صحف ورقية كثيرة على مستوى العالم، وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت في قلة الموارد وندرة الإعلانات، وتأثر مستويات التوزيع والبيع بانتشار الإعلام الالكترونى، وتأثر التمويل بالأوضاع السياسية غير المستقرة في العالم كله؛ لكن هناك من كبار الإعلاميين من يرى أن المستقبل سيبتسم للصحافة الورقية، ومن هؤلاء ستيف فوربس مدير تحرير مجلة “فوربس” الاقتصادية الذي قال “إن وسائل الإعلام التقليدية سوف تصبح أقوى في الأعوام المقبلة بمساعدة الشبكة الإلكترونية.
الواقع يقول إن الصحافة الالكترونية ـ مواقع الصحف على الشبكة العنكبوتية ـ لا تستطيع منافسة مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية أو البث الفضائي المباشر، لأنها ستفقد أهم العناصر وهي السرعة والتكثيف والآنية والصورة والصوت المرافق والمؤثرات المرئية والمسموعة، لكنها يمكن أن تترك لها المجال الخبري وتهتم فيما وراء الخبر مثل التوابع والجوانب التحليلية، وأن تركب على أكتاف الإعلام الالكتروني بكل محتوياته وتأخذ مزاياه وتترك عيوبه لتنطلق في سرب تغرد فيه وحيدة.
الإنسان بطبعه يعشق الأشياء التي تتفاعل معها حواسه ومشاعره وهذا ما أكدته الدراسات العلمية، والمطبوعة الورقية تشارك فيها الحواس
الخمس، حيث تقودها حاسة البصر للمشاهدة والإطلاع ثم حاسة اللمس لتبين ملمس الجريدة، إضافة إلى سماع صوت أوراقها، وحاسة الشم في رائحة الطباعة، والتذوق في تقليب الصفحات بإصبع مبلل، بينما الإعلام الإلكتروني يعتمد على “الميديا” فقط وغالبا ما تتفاعل معه حاستا البصر والسمع فقط.
إضافة إلى ذلك أن الدراسات العلمية الحديثة التي تناولت هذه الفكرة قالت إن القراءة على الورق تثبّت المعلومات في الذاكرة بخلاف القراءة على الأجهزة اللوحية.
القارئ العربي ما زال يؤمن بأهمية الصحافة الورقية، ومازال يبدأ يومه بـ”فنجان قهوة مع تصفح الجريدة الورقية”، مما يعكس وقوفها على أرض صلبة في ظل المنافسة الشرسة، وبالتالى يجب إدراك أن دورها سيتعاظم على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهذا لن يتأتى إلا بالتطوير المهني ومواكبة تغيرات العصر الالكتروني، بجانب أن يكون للحكومات العربية دور في تدوير وتصحيح المسار للعمل الصحفي الورقي، فعلى سبيل المثال تدعم فرنسا صحفها بحوالي 600 مليون يورو سنوياً ( حسب مجلة فوربس)، لأن الصحافة دائما منبع للثقافة ومنهلا للمعرفة و”عنوان” للشعوب.
سليمان بن محمد الطائي