زهير ماجد
اليوم تدخل سوريا عامها الرابع، وحتى الآن ثمة من يتساءل عن كيفية ما حصل في بلد كان يصعب تصديق هذا الذي حصل.
اليوم لا تقفل الجبهات ولا المقابر ولا الكتابة اليومية ولسوف تصدر الصحف المحلية وهي مجللة بالأحداث، وسيظل الكلام عن المحنة قائما على مدار الساعة بين الناس الذين ظمئوا إلى نهارات خالية من العذاب الطويل.
واليوم رغم كل هذا الحدث الدراماتيكي، لم تزل قوة الدولة قائمة وقوة النظام على حالها، ولم يزل الجيش العربي السوري يهدي الشعب إنجازات متلاحقة، بل لم يزل الرئيس السوري قائدا ملهما للمرحلة ومرشحا لأن يكون رئيس المرحلة المقبلة وربما ما بعدها.
فُقد الخبز ثم انتظم، وفقد الغاز ثم عاد إلى طبيعته، وفقدت أشياء عديدة وتم التلاعب بالليرة، لكن الأمور عادت إلى حالتها المنطقية، ففي الشهور الأولى من الأزمة ساد الاضطراب كل شيء، لكنها الآن في غاية الطمأنينة بعدما صار هنالك عنوان واحد أن الأزمة صارت وراء السوريين.
وفيما ثبتت سوريا على حال التنقل بين الانتصارات على أكثر من صعيد، تغير العالم حولها .. لعلنا نعرف ماذا جرى في بعض الأقطار العربية، وكيف حسمت لمصلحة الوضع السوري، وماذا عليها تركيا الظامئة إلى فتح باب أو نصف أو مواربة مع القيادة السورية .. ثم ها هي أميركا بعظمتها وجبروتها تقر بما لا يقر أن الحل في سوريا سياسي، وها هي تعمل في هذا الاتجاه.
ثم ها هم يتنصلون من شتى التنظيمات الإسلاموية التي لم يعد لها مكان عند من كانوا داعمين. صدرت فرمانات بأنهم إرهاب، قالها لهم منذ اليوم الأول للصراع على سوريا الرئيس بشار الأسد إنه الإرهاب في سوريا، فلم يمتثلوا، كانوا يمنون النفس بأن تخنقه أية تسمية وتحت أي مسمى؛ لأن المهم السابق أن يرحل الرئيس ومعه دولته ونظامه ومؤسساته وحزبه وكل من يلهج باسمه حتى لو كان نصف الشعب السوري وأكثر.
من علامات الارتياح في سوريا أن العاصمة انتهى إزعاج محيطها .. قال لي صديق إعلامي سوري وهو يؤنبني إن دمشق اشتاقت لكم وأنتم من حفر اسمكم بشكل دائم فيها، مضيفا أن الحياة فيها أكثر من عادية، حتى أن الحديث عن الأزمة بات أقل، إضافة إلى أن الناس لم تعد تخاف على غدها فتتسابق على خزن ما يصلح للطعام وغيره. أخبرني أن بعض من تركوا سوريا من إعلاميين ومثقفين وفنانين عاد أكثرهم بانتظار المزيد عندما تتضح صورة المعارك التي يخوضها الجيش على مختلف الجبهات.
في الذكرى الرابعة، يتحسس السوريون أفكارهم ليعلنوا أن الأزمة طويلة، وأنهم باتوا على قناعة أنها ماضية إلى حيث النهايات .. هذا الاعتقاد أوجد ما يسمى استعداد لتقبل ما سيلحق وما سيأتي حتى ولو كان مفاجئا، مع أن المفاجآت في الأزمة قد صارت من الماضي. فهل هذا نوع من التعود أم أن الكثير من الصبر يؤدي إلى المزيد منه، والأمل هنا مشدود إلى الجيش العربي السوري الذي وحده صانعه.
عظمة سوريا أن صمودها تحقق على إيقاع الشهادة والخراب والتدمير والعذاب وآهات الناس، لكنها الحرب، وليست أية حرب، بل هي العنوان المخيف في طبيعة الحروب القاسية، بل أيضا هي أم الحروب التي لم نشهد لها مثيلا.