سهيل بن ناصر النهدي:
مرة أخرى تدخل وسائل التواصل الاجتماعي بيننا كوسيلة يتم استغلالها بطريقة خاطئة، ومرة أخرى تنساق فئة من المجتمع الى مساقات غير التي عرفت بها وعرف بها المجتمع العماني بشكل عام، وهو مبدأ الهدوء والتسامح والروية وحب الخير للآخر وصبره وتحمله وتعايشه برضا بين مجتمعه، ووضع الحلول المرضية للجميع في حال وجود أي مشكلة يحتاج المجتمع الى ايجاد حل لها.
ما يتم تداوله خلال هذه الفترة فيما يخص الابل، وخروج الكثير من الاشخاص في مقاطع صوتية عن اللياقة وخروج البعض منهم عبر منصات التواصل الاجتماعي ليطالب بأشياء لا تمت بصلة، لا لديننا الحنيف ولا عاداتنا الاجتماعية السمحة، ومع الايام نجد هذه الظاهرة تزداد والتلاسن عبر الرسائل الصوتية يتضاعف، رغم اننا في شهر رمضان الكريم، فتتوزع تلك المقاطع بين آلاف الاشخاص في دقائق، الامر الذي يشير الى احتمالية أخذ هذا الموضوع منعطفا خطيرا يجب على المجتمع الانتباه اليه وعدم التمادي فيه.
الحلول كثيرة والتعاون في طرحها أمر حضاري، لكن قبل ذلك يجب ان نتفق على ان التحريض من قبل بعض الاشخاص على قتل ونحر الإبل او التعرض لها بطريقة شخصية أمر مرفوض، ويرفضه المجتمع جملة وتفصيلا، فنحن بلد المؤسسسات والقانون، وليس من شيمنا أن ندعو لمثل هذه التصرفات او الحلول.
واذا ما كانت الابل التي ترعى في سيوح وبراري عمان، ويراها البعض سببا في وقوع بعض الحوادث، فإن ملاكها ومربيها مستعدون ليكونوا جزءا من الحل وليسوا جزءا من المشكلة، وطرح الحلول بطرق حضارية ومثمرة غير التي يروج لها بعض من الأشخاص للاسف الشديد عبر منصات مختلفة في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي قد يتسبب في خروج لب الموضوع عن مساره ويأخذ مسارات أخرى ليست مقبولة، ولا توصلنا الى حل.
البراري والسيوح عرفت منذ قديم الزمان بأنها مرعى تسرح فيه المواشي بمختلف أنواعها، وعندما جاء التطور وشقت الطرق السريعة في اطار التطور الذي شهدته شبكة الطرق بكل دول العالم ومن بينها السلطنة التي كانت سباقة لمد شبكة طرق تخدم ولايات ومحافظات السلطنة، الأمر الذي ساهم في انتعاش الحالة الاجتماعية والاقتصادية للانسان العماني، وعندما شقت تلك الشبكات في ربوع البلاد، للأسف الشديد لم يتم مراعاة وجود سياج على جانبي الطرق، خصوصا تلك الطرق التي تقطع سيوحا معروفة بكثرة تربية ووجود الماشية فيها، واذا ما كان الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن الابل، فإن السيوح بها من الماشية انواع عديدة ليست الإبل فقط، ووجود سياج يمنع وقوع الحوادث بشكل أكبر ويحد منها في كل الأوقات، واذا كان البعض يجد بأن هناك ضرورة لعدم ترك الابل ترعى بالليل، فهذا الامر ايضا ليس بحل، لان الحوادث ايضا تقع بالنهار وبنفس الخطورة، لذلك فإن وجود سياج هو الحل الذي يجب ان يطبق في البداية ومن ثم تأتي غيرها من الحلول.
ان العرف السائد بين ملاك الابل على مستوى السلطنة هو ان (تضوي) الإبل الى عزبتها ومكان مبيتها بالليل، وفي العادة وحسب طبائع الابل فإنها تخرج صباحا وتعود عند العصر واذا لم تعد يذهب اليها صاحبها ويعود بها ويتأكد بأنها تقضي الليل في العزبة، لكن يحصل أن تغيب ناقة او ناقتان بين فترة وأخرى عن بقية الابل وتضيع طريقها وقد يقع الحادث في غفلة من الجميع، لذلك فإن فكرة انشاء سياج على جانبي الطريق مع عمل بعض المداخل وأيضا وضع بعض الموانع لدخول الحيوانات، هو الأمر الذي يجب الأخذ به خلال الفترة الحالية.
كما ان دعم الاعلاف الحيوانية قد يساهم بشكل كبير بالحد من انتشار الابل في السيوح والبراري حيث سيكون بمقدور المربي والمالك اطعام الابل كل الوجبات متى ما كانت مدعومة دون الحاجة الى اطلاقها لترعى بالسيوح، كما ان اعطاء المجال لجلب عامل بمهنة (راعي) ايضا سيساهم في رعي الإبل والتحكم بها، ووجود الراعي معها يمنعها من الذهاب للشوارع، وايضا يضمن عودتها للعزبة في المساء.
وعندما تتم مثل هذه الاجراءات لحماية مستخدمي الطريق كتركيب سياج على جانبي الطريق، ودعم الاعلاف الحيوانية، وتسهيل جلب العمال، عندها فإن ملاك الابل يؤيدون ايضا تشديد الاجراءات القانونية للحد من وجود الابل في الشوارع.
ان الابل ثروة وطنية لها الكثير من الاسهامات على مستوى تحسين معيشة الكثير من ابناء المجتمع، فهي تشكل مصدر الرزق الوحيد لشريحة واسعة من ابناء المجتمع، كما ان العزب الكبيرة تشكل مصدرا مهما لتشغيل مئات من الباحثين عن عمل فهي الآن تعتبر الحاضنة لمئات الشباب الذين يعملون بتلك العزب، ويكسبون معيشتهم، وغيرها من الأسباب التي تدعونا الى ان نحافظ على هذه الثروة الوطنية الكبيرة وإيجاد الحلول التي تضمن الحفاظ عليها وايضا بأن لا تكون سببا في الحوادث.
ان المجتمع العماني ولله الحمد مجتمع متماسك ومتحاب، وهذه اللحمة والمحبة بين افراد المجتمع سمة من سمات مجتمعنا الجميل، واذا كان هناك شخص عزيز علينا راح ضحية حادث دهس لجمل في الطريق، فإن ذلك يؤلمنا جميعا ويؤلم أبناء المجتمع قاطبة، لذلك فإن الجميع يقف اليوم ليكون جزءا من الحل.
من أسرة تحرير (الوطن)
suhailnahdy@yahoo.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن