قراءة في ندوة:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي)
– أجمع أهل الفقه والعلم في هذا العصر على جواز نقل الدم وقد وضع الأطباء والفقهاء شروطاً وضوابط في ذلك
ـ لا مانع من إعطاء المتبرع بالدم جوائز عينية أو مالية، وهي قول بعض المعاصرين
قراءة ـ علي بن صالح السليمي:
جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان من خلال عنوانها:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي) والتي عقدت خلال الفترة من 15 إلى 18 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق 5 إلى 8 ابريل 2015م في نسختها الحادية عشرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.
ومن ضمن ما قدم خلال الندوة من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان:(بنوك الدم) للباحث حسن بن علي بن سيف الشعيبي.
* مضمون قرار مجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي
يقول الباحث حول هذا الجانب: ان قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قد جاء فيه:(يجوز أن يتبرع الإنسان من دمه بما لا يضره عند الحاجة إلى ذلك لإسعاف من يحتاجه من المسلمين)، والمطلب الثاني: الأدلة على مشروعية نقل الدم، إن الأدلة التي استدل بها أهل العلم المعاصرون في هذه المسألة هي: قوله تعالى:(من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) (المائدة 32)، ودلت الآية على فضل إحياء النفس، الذي منه إنقاذها من أسباب الهلاك وفي نقل الدم لمن يحتاجه إنقاذ له من الموت.
مشيراً الى أن أناساً من عرينة قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة .. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها ..) الحديث، وأمرهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالشرب من أبوال الإبل، وهي نجسة، وذلك لما تعين الشفاء بها، ونقل الدم كذلك إذا تعين الشفاء به.
موضحاً بأن هناك قاعدة وهي الضرورات تبيح المحظورات، وتوجد أدلة تبين ذلك كقول الله تعالى:(إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولاعاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) (البقرة ـ 173)، وقوله تعالى:(وما لكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فضل لكم ماحرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (الأنعام ـ 119)، فهاتان الآيتان دلتا على نفي الإثم ورفع الحرج عمن اضطر إلى المحرم، ونقل الدم هو حال ضرورة، فيكون داخلاً في عموم الآية، فينفى عنه الإثم ويرفع عنه الحرج، فعن عبد الله بن الزبير قال: احتجم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأعطاني دمه، وقال:(اذهب فواره لايبحث عنه سبع أو كلب أو إنسان)، قال: فتنحيت عنه فشربته، ثم أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:(ما صنعت؟) قلت: صنعت الذي أمرتني. قال:(ما أراك إلا قد شربته) قلت: نعم. قال:(ماذا تلقى أمتي منك؟!)، فالصحابي شرب الدم دون الحاجة إليه، ولم ينهه النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويمكن الرد بخصوصية دم النبي (صلى الله عليه وسلم).
وهناك قاعدة أيضاً:(ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فنقل الدم يتوقف عليه كثير من الواجبات الشرعية أحياناً مثل: حفظ الحياة وإزالة الضرر والجهاد، فيكون نقل الدم واجباً.
وقاعدة أخرى وهي: المشقة تجلب التيسير، والمريض مضطر ومتضرر، ولقد لحقته المشقة الموجبة للهلاك.
وقال الباحث: ان الدليل من الإجماع حول هذا الموضوع، فقد أجمع أهل الفقه والعلم في هذا العصر على جواز نقل الدم بشروطه.
وعن المبحث السادس فهو: شروط نقل الدم وضوابطه، لقد وضع الأطباء والفقهاء شروطاً وضوابط لنقل الدم وهي كالتالي: أولا: بعض الشروط والضوابط التي وضعها الأطباء وهي: أن يكون المتبرع خالياً من الأمراض التي تنتقل مع الدم، فخلو المتبرع من الأمراض التي قد تضر به إذا سحب منه الدم مثل السل الرئوي وارتفاع ضغط الدم، وأن لا يكون المتبرع مصاباً بآفة قلبية أو تنفسية، وثانياً: بعض الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء، من خلال فتاوى وقرارات المجامع الشرعية التي سبق نقلها يمكن أن نأخذ الشروط التالية: أن تتحقق الحاجة أو الضرورة، وأن لا يكون هناك سبيل لتقويته أو علاجه إلى هذا السبيل، وأن لا يتضرر الشخص المنقول منه الدم ولا المنقول إليه كقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لاضرر ولاضرار)، وأن يغلب على أهل المعرفة انتفاع المريض بذلك لأنه لا يخالف الأصل المذكور لأصل مشكوك فيه، وأن لا يأخذ المتبرع على ذلك مقابلاً مالياً وذلك لأن الدم لايجوز بيعه لما صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه نهى عن ثمن الدم وللإجماع على تحريم بيعه.
وقد تفرع من الشرط مسألة إعطاء المتبرع بالدم جوائز عينية أو مالية، فما الحكم الشرعي في هذه الجوائز؟، أما إذا كان عن طريق المشارطة فلا يجوز ذلك، لأنه حين إذن يكون قيمة فيما تبرع به، وأخذ القيمة على الدم لايجوز، وأما إذا كانت هذه الجوائز تشجيعاً وتكريماً فقد اختلف المعاصرون من أهل العلم في هذه المسألة على قولين، القول الأول: أنه لامانع من إعطاء هذه الجوائز، وهي قول بعض المعاصرين، وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، حيث جاء فيه ما نصه:(ولا مانع من إعطاء المال على سبيل الهبة أو المكافأة، تشجيعاً على القيام بهذا العمل الإنساني الخير، لأنه يكون من باب التبرعات، لا من باب المعاوضات)، والقول الثاني: أن هذه الجوائز لا تجوز، وهو قول بعض العلماء المعاصرين، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، حيث سئلت اللجنة: بنك الدم يمنح هدايا للمتبرعين بالدم، هي عبارة (عن) سجادة صلاة وميدالية أو غترـ شماغ ـ أو غيرهما، وأحياناً 300 ريال، أرجو إيضاح رأي الشرع المطهر في هذه الهدايا، وكان جوابها ما نصه:(لا يجوز بيع الدم .. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
.. البقية في الاسبوع القادم.