العلاقات العمانية الفرنسية في عهد السيد سعيد بن سلطان
بدأت العلاقات بين عمان وفرنسا في عهد الامام أحمد بن سعيد، وذلك من خلال المستعمرة الفرنسية في المحيط الهندي جزيرة موريشيوس، حيث يعتبر الامام أحمد أول من أخذ في التعامل التجاري مع هذه الجزيرة، والتي تطورت بعد ذلك إلى اقامة قنصلية فرنسية في مسقط، نظرا لأهمية الموقع الجغرافي لعمان بالنسبة لفرنسا وخدمة مصالحها الاستعمارية في المنطقة.
وفي عهد السيد سعيد بن سلطان الذي حكم خلال الفترة 1804- 1856م، كانت العلاقات مزدهرة بين مسقط وفرنسا، وحين تأزم الموقف بين إنجلترا وفرنسا بسبب التنافس الاستعماري بينهما، أعلن حياده فى الصراع القائم بين الدولتين بهدف حماية بريطانيا له ومساعدتها له ضد أعدائه الاقليميين، وهي أمور لم تكن حكومة الهند تريد أن تقدم عليها، لما يترتب عليها من إقحامها في منازعات داخلية مع أمراء الجزيرة العربية، وبالإضافة إلى ذلك فإن وضع مسقط تحت الحماية البريطانية سيجعلها هدفاً لحملات فرنسية مكثفة.
وكان من رأي حكومة الهند أن حياد مسقط يحميها من فرنسا، وما دامت إتفاقيتا 1798م و 1800م قائمتين، فإن ذلك سيمنع فرنسا من إقامة تمثيل سياسي في مسقط. ولعل هذا الموقف الذي وقفته حكومة الهند جعل السيد سعيد يعاود الاتصال بالفرنسيين، فكتب إلى ديكان حاكم جزيرة فرنسا يذكره بالصداقة التقليدية بين فرنسا ومسقط، وبادر بإرسال أحد أعوانه وهو ماجد بن خلفان إلى بورت لويس عاصمة جزيرة فرنسا، لكي يتفاوض مع ديكان في إبرام معاهدة صداقة وسلام دائم لا ينقض بين مسقط والحكومة الفرنسية.
إلا أن هذه الاتصالات لم تحدث أثراً معاكساً لدى الإنجليز، ولعل ذلك يرجع إلى أن مجلس إدارة شركة الهند الشرقية البريطانية كان قد اتخذ قراراً في عام 1807م بضغط المصروفات العسكرية، وعدم الاستحواذ على أراض جديدة، وعدم التورط في منازعات مع حكومات أخرى خارج نطاق الهند.
ومن هنا استقبل السيد سعيد في يونيو 1807م وكيلاً فرنسياً في مسقط، بل تمادى أكثر من ذلك في توقيع معاهدة بينه وبين فرنسا في 15 يونيو 1807م، نصت على عودة علاقات الصداقة بين البلدين، وأن تنال كل من الدولتين إزاء الأخرى شروط ومعاملة الدولة الأكثر رعاية.
وقد أكد ديكان في تقرير له إلى حكومة باريس، أهمية عقد هذه المعاهدة وخاصة بعد أن دخلت الدانمارك الحرب مع الحلفاء، وأصبحت كل الطرق البحرية التي تصل فرنسا بمستعمراتها في الهند مغلقة، بيد أن الصعوبة التي اعترضت ديكان هي كيفية التصديق على هذه المعاهدة دون أن يكون فيها نص يقضي بحرمان السفن المسقطية من الاتصال بالموانئ البريطانية في الهند، إذ إن القوانين الفرنسية الخاصة بالحصار القاري. كانت تحرم على الدول المحايدة وعلى حلفاء فرنسا الإتجار مع العدو، بينما كانت المادة السادسة من معاهدة 1807م بين فرنسا ومسقط، تنص على أنه في استطاعة السفن المسقطية أن تلقى مراسيها في موانى الهند البريطانية، بشرط أن تتوجه بعد خروجها من الميناء مباشرة إلى إحدى الموانئ التابعة لمسقط، وليس لها الحق في الملاحة بين موانئ العدو.
وعلى الرغم من أن المادة الثالثة من معاهدة 1807م، كانت تحرم التجارة مع الإنجليز، إلا أنها كانت تستثني من ذلك تجارة التمور والخيول التي هي من أهم صادرات مسقط، كما كانت تعطى للسفن الفرنسية حق تفتيش السفن المسقطية ووسيلة التحقق من هويتها. وعلى الرغم من أن هذه المعاهدة كانت تعد نصراً كبيراً للسياسة الفرنسية إلا أنه لم يتم المصادقة عليها بسبب مخالفتها للتشريعات التي أصدرها نابليون بين عامي 1806م و1807م، الخاصة بتطبيق الحصار الاقتصادي على بريطانيا، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها ديكان لكي يقنع حكومته بأنه يجب عليها أن تستثني بحار الشرق من تطبيق سياسة الحصار الاقتصادي، حيث لا تتعادل قوى الدولتين المتصارعتين، إلا أن الحكومة الفرنسية أصرت على إيقاف سريان تلك المعاهدة وبالتالي لم يتم المصادقة عليها.
والأمر الذي لا شك فيه أن السيد سعيد قد أيقن أنه أخطأ في اختيار فرنسا لتكون حليفة له، وخاصة بعد أن فرضت حكومة الهند حصاراً بحرياً حول جزيرتي موريشيوس والبوربون في عام 1808م، ولذلك عاود الكتابة إلى دنكان جاك وبومباي متخذاً خطأ بريطانيا واضحاً، إذ جاء في الرسالة التي بعث بها إليه في أغسطس 1807م “إنه بعون الله تعالى سأظل طالما بقيت حياً ملتزماً وأميناً للصداقة والارتباط الوثيق الذي يربط بيننا وثقتي بالله أن لا يحدث ما يعكر صفو هذه الصداقة.. إن ثرواتي وممتلكاتي اعتبرها ملكاً لكم، كما أن كل المناطق الواقعة تحت سلطتي اعتبرها خاصة بكم”.
وهكذا استطاع جون مالكولم أن يصل مع السيد سعيد إلى نتائج إيجابية أكثر فعالية، وذلك حينما وصل إلى مسقط في عام 1808م، لكي يتأكد من موقف السيد سعيد من قرار الحكومة الفارسية تسليم ميناء بندر عباس إلى الفرنسيين، وكان ذلك الميناء تحت إدارة حكومة مسقط، ولا يمكن تنفيذ هذا القرار من الناحية العملية إلا بالتزام مسقط به، حيث أكد السيد سعيد لجون مالكولم إن كلا من بندر عباس وهرمز تحت سيطرته، وأنه لن يسمح لا للفرنسيين ولا للفرس باستخدامهما كقواعد عسكرية.
وقد أخذت العلاقات البريطانية المسقطية تتخذ صيغة جديدة بعد استسلام ديكان للإنجليز، وسقوط جزيرة فرنسا في عام 1810م، حيث تميزت تلك العلاقات بتبعية مسقط للنفوذ البريطاني.
ةقد حاولت فرنسا بعد استعادتها جزيرة البوربون في عام 1814م، أن تستأنف علاقتها بمسقط، حيث عقدت مع السلطنة معاهدة في عام 1817م ومعاهدة أخرى في عام 1844م، إلا أن هاتين المعاهدتين لم تتعديا كونهما معاهدات تجارية في الدرجة الأولى، إذ إن مركز الثقل السياسي والعسكري كان قد تحول إلى بريطانيا في سلطنة مسقط وتوابعها في شرق أفريقيا، منذ السنوات الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي.
د. محمد بن حمد الشعيلي
باحث في التاريخ العماني
m-alshuaili@hotmail.com