تخيل الرقم (9) تريليونات دولار، خسائر الاقتصاد العالمي المتوقع، 100 مليون وظيفة تخرج من سوق العمل، منها مليونا وظيفة في عالمنا العربي وحده، مع خسائر 420 مليار دولار في رأس المال السوقي لشركاته، يرتفع عدد فقراء العالم، ويتحول أكثر من 8 ملايين من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة، هذا فقط حال استمرت عملية الحماية الجماعية، والإغلاق الكبير للعالم لأكثر من عام.
مليارات من سكان كوكب الأرض فرض عليهم الحظر والبقاء في منازلهم، طرد الكثير من عملهم، معظمهم يكافحون من أجل العثور على شيء يسد رمقهم، بات هاجسهم ومصدر قلقهم هو الطعام ليس إلا وليس الفيروس، بعد أن ضربت قطاعات الخدمات المتمثلة في النقل والفنادق والمطاعم والترفيه والأعمال البسيطة في مقتل؛ لذا حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة من خراب مطلق محتمل، مع تداعيات الإغلاق والتفشي السريع للفيروس، خصوصا في إفريقيا والشرق الأوسط.
ومع غياب القدرة الدولية على إيجاد لقاح فعال في غضون فترة قصيرة، فكل الجهود منصبة الآن على طرق إبطاء حركته إلى أقصى حد ممكن، لكن بالتوازي ينجرف الاقتصاد العالمي نحو التباطؤ، وفي طريقه نحو الانكماش، ولو افترضنا جدلا استمرار الشركات المتوسطة والصغيرة إغلاق أبوابها لمدة من شهرين إلى ستة أشهر، فالمتوقع ـ بدون شك ـ تعثرها ثم إفلاسها نتيجة عدم قدرتها على دفع التزاماتها المالية، وبالتالي تتوقف أعمالها وتسرح عمالها.
الآن الحال هكذا، يتم التهافت على بعض السلع خصوصا الاستهلاكية، وكل ما يهم البشر حاليا، حاجتهم للطعام وأدوات النظافة الشخصية، في المقابل ينخفض الطلب على سلع أخرى كثيرة، وتظل حبيسة المخازن حتى إن توافرت، فلا يوجد مال في يد من يرغب في تملكها، بالتالي تتحول الأزمة الحالية إلى حالة الركود، ويترتب على ذلك أزمة مالية قد تعصف بسوق الأسهم إذا استمر نزيف خسائر الشركات كنتيجة مباشرة لوقف الإنتاج وعدم قدرتها على تصريف منتجاتها وسط مخاطر إجراءات الحجر الصحي وحظر التنقل.
تتواصل بعد ذلك سلسلة خراب البيوت، فمع خسائر الشركات يتسرب الإفلاس نحو شركات التأمين والمصارف الممولة لها، ومع ضعف القدرة على التسويق تضعف قدرة الشركات والمؤسسات على توفير الأموال، والنتيجة الحتمية التوقف عن دفع الأجور، وخروج ملايين العمال من سوق العمل، ليصل الإنتاج العالمي إلى مرحلة الانكماش العميق أو ما يعرف بالكساد ثم يعم الخراب.
الأسوأ لم يأتِ بعد.. الاقتصاد العالمي أمام تحدي الدخول في مرحلة الانهيار الكامل أو الجزئي، مع تفاقم العجز في قدرة الحكومات على الوفاء باحتياجات الناس اليومية حال استمرار الإغلاق الكبير للعالم، وتكمن الكارثة أن تعالج الحكومات الحالية الآثار الاقتصادية المتردية من فرضية كونها مجرد أزمة اقتصادية، تكمن فقط في توفير البضائع في الأسواق، والتفاخر بامتلاء المخازن بكافة السلع دون توفير الأموال اللازمة لشرائها.
لذا من المحتم توفير السيولة المالية اللازمة في أيدي المتضررين ممن فقدوا أعمالهم حتى تمكنهم من شراء السلع المكدسة في الأسواق، لتدور حركة رأس المال والإنتاج، كما من الضروري توفير الأموال اللازمة، لمعالجة عجز السيولة المالية للشركات لحمايتها من الإفلاس أو الإغلاق.
من المؤكد حتى الآن، تصاعد حالات الإصابة بالفيروس، ما قد يدفع النظم الصحية إلى الانهيار، والاقتصادات إلى السقوط، ويدفع الناس إلى اليأس، وتتعرض الدول الفقيرة إلى الإفلاس؛ لذا لا بد للعالم الغني أن يتخلى عن أنانيته، وأن يوفر ما لا يقل عن 10% من الناتج العالمي يخصص للإنقاذ، وأن يتحلى صندوق النقد الدولي بمسؤوليته بضخ الموارد المالية للدول الأكثر فقرا وأكثر تضررا.
العالم في أمسِّ الحاجة للعودة إلى إنسانيته، حتى يتم الوصول إلى الدواء الشافي أو اللقاح الناجع، وهذا هو التحدي أمام البشرية جمعاء، وعلى الأقل ضرورة الإسراع في إنتاج أجهزة الاختبار المبكر، لسرعة الاتصال بالأشخاص الذين تأكدت إصابتهم بالفيروس، حتى يتمكن من عزلهم مبكرا، قبل نقل العدوى للآخرين.
الأمر جد خطير، فما بين الاهتمام بصحة البشر، وحمايتهم من المرض، وبين معضلة توفير لقمة العيش، والبقاء على قيد الحياة، يكمن الرهان على إنسانية البشر، والتكافل الاجتماعي فيما بينهم، فمن وسع رزقه لا يقتر على من فقد قوته.. التحدي أمام أخلاقيات البشر هو الحيلولة دون خراب البيوت، حتى تنكشف الغمة وينقشع البلاء.
المصدر: اخبار جريدة الوطن