كيان الاحتلال الإسرائيلي يهدم فرص السلام قطعة قطعة، قطعة بحجم قطاع غزة والعدوان الإرهابي المتكرر عليه، وقطعة بحجم تدمير منازل فلسطينيين بالضفة متهمين زورًا بقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل، وقطعة مع كل عدوان على فرد أو مجموعة فلسطينية.
وفي تتمة للعدوان الإرهابي على قطاع غزة وتدميره وتهجير آلاف الأسر وشطب ستين أسرة من السجلات المدنية بشكل كامل، أعطت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر لسرقة أربعة آلاف دونم من أراضي بيت لحم والخليل لتوسع استيطاني كبير في ما يسمى تجمع “جوش عتصيون”.
ويأتي هذا السطو الإسرائيلي الجديد وسط تحرك فلسطيني لإنهاء الاحتلال، حيث قدم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أمس إلى جون كيري وزير الخارجية الأميركي خطة يدعو فيها الولايات المتحدة لوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال في القدس الشرقية والضفة الغربية، في حين تحاول حكومة الاحتلال التنصل من التزامات الهدنة الطويلة التي توصلت إليها المفاوضات بين الوفد الفلسطيني والجانب الإسرائيلي المحتل في القاهرة بوساطة مصرية، حيث يروج الإعلام الإسرائيلي نقلًا عن مكتب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال رفضه إرسال وفد إلى القاهرة لإكمال التفاوض على المطالب الفلسطينية المشروعة المؤجل بحثها وفق اتفاق الهدنة.
إن التحرك الفلسطيني الجديد، صحيح أنه يريد أن يرمي الكرة في ملعب الولايات المتحدة، إلا أنه يدور في فلك مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بسلاح التفاوض العبثي الذي تصر عليه السلطة الفلسطينية، ولا تعيره واشنطن وتل أبيب أي اهتمام إلا بالقدر الذي يجب أن يحافظ على الهدوء المبتغى لاستمرار سياسة الاستيطان والتهويد، وإدارة حركة المفاوض الفلسطيني في الحلقة المفرغة ذاتها التي اعتاد الدوران فيها.
والواقع أن الذين لا يزالون يعتقدون أن هناك جهة ما في المنظومة الدولية بمقدورها الآن وقف كيان الاحتلال الإسرائيلي عن عبثها بالقضية الفلسطينية هم واهمون بكل تأكيد، فكيان الاحتلال لا يعرف إلا لغة القوة، ولا يرضخ ولا يحاور هو وحلفاؤه إلا إذا وجدوا ندًّا قويًّا أمام تماديهم.
يبحث الفلسطينيون اليوم عن دولتهم المستقبلية المنتظرة في أروقة ما يسمى المجتمع الدولي، وعن من يساندهم في بحثهم من أجل إقامة الدولة الجديدة، غير أن هذا لا تتوفر له الظروف المواتية خاصة حين يتعلق الأمر بشأن اعتراف الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة بالدولة الجديدة، فهاتان القوتان لا تتخذان موقفًا بشأن القضية إلا بالتنسيق مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومن ثم فلو صدقت التوقعات واعترف الاتحاد الأوروبي قريبًا بالدولة فإن ذلك يكون باعثًا على القلق أكثر مما هو باعث على الارتياح ما دام الأوروبيون لا يمارسون الضغط الكافي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، والأمر ذاته يتعلق بالولايات المتحدة من باب أولى بالطبع فهما سيفقدان لا محالة كل قدرة على وقف الاعتراف الدولي وسيقرران اللحاق بالركب ولو شكليًّا، بينما تستمر شرايين الدعم المادي والمعنوي للغطرسة الإسرائيلية مفتوحة بذريعة أن التمويل يأتي من جهات غير حكومية إلى منظمات مدنية إسرائيلية، وكل هذه ذرائع لا طائل تحتها. وإذا ما استمرت هذه السياسة المزدوجة (تمويل العدوان والاعتراف بفلسطين) فإن آلية جديدة للتعامل مع كيان الاحتلال الإسرائيلي لا بد أن تكون ملحة بل هي تطرح نفسها مع كل يوم يمر في مسيرة الاعتراف الدولي وأولى هذه الآليات المطلوبة آلية لمنع العدوان على قطاع غزة والضفة والقدس بشكل حاسم وعاجل وستكون هذه الآلية بمثابة علامة على تحول حقيقي في اتجاه السلام المأمول.