اعتمدت السلطنة مبدأ تنويع مصادر دخلها لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي وحفز خطط التنمية الاقتصادية، ويعد الاستثمار في مختلف القطاعات واحدًا من الركائز الأساسية التي يمكن من خلالها أن تنجح سياسة تنويع مصادر الدخل. وإذا كانت السلطنة تحرص على الأخذ بأحدث المفاهيم والتقنيات لتطوير الاقتصاد الوطني واعتبرته هدفًا تسعى إلى تحقيقه عبر تحسين مستوى أداء المؤسسات الإنتاجية التجارية والصناعية الوطنية، سواء الثقيلة منها أو المتوسطة والصغيرة، فإن توفير البيئة الحقيقية للاستثمار هو الآخر لا يقل أهمية، حيث إن توافر هذه البيئة يمثل عامل جذب كبير للراغبين في الاستثمار، ويمنحهم الثقة والاطمئنان.
صحيح أن العائدات النفطية منذ الانطلاقة الأولى لعصر النهضة المباركة لعبت دورًا أساسيًّا في دفع مسيرة التنمية وتطويرها، وضمان صيرورتها طيلة السنوات الماضية، وإرساء بنية أساسية صلبة لتنويع مصادر الدخل بناء على توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث تم وضع خطط لتنويع مصادر الدخل. إلا أن فتح آفاق الاستثمار وتشجيع رؤوس الأموال المحلية والعالمية للدخول في قطاعات الإنتاج المتعددة في السلطنة كالصناعات السمكية والتعدين واستغلال المحاجر الكهرباء والمياه والصناعات التحويلية والكيماوية والإنشاءات والسياحة وغيرها، يعد من الأهمية بمكان، وذلك لما يمثله الاستثمار في هذه القطاعات من دور في تنويع مصادر الدخل، وكذلك في تحقيق النمو وتعظيم الفائدة لاقتصادنا الوطني، وفي توفير فرص العمل لاستيعاب المخرجات التعليمية والباحثين عن عمل.
وتمثل ندوة “دور القضاء التجاري في تعزيز الاستثمار” التي نظمها مجلس الشؤون الإدارية للقضاء واختتم أمس حلقاتها النقاشية، مبادرة طيبة وخطوة متقدمة من المجلس حرصًا منه على مواكبة الحراك الاقتصادي، والمساهمة في بناء اقتصادنا الوطني وتشجيع الاستثمار من خلال مواكبة مستجداته بتطوير منظومة القوانين التي تحمي المستثمر ورؤوس أمواله، وتعطيه الثقة والاطمئنان، وتشجعه على الاستثمار، فالأمن القانوني والقضائي يعد أهم عامل يجب أن يتوافر في بيئة الاستثمار لتكون بيئة جاذبة، فضلًا عن التسهيلات والتشريعات والقوانين التي تحمي حقوق المستثمر وأمواله وفي نفس الوقت تحمي وتصون المصالح الوطنية، عبر قضاء عادل وله ممارساته وتجاربه في مجال القضاء التجاري، حيث تهدف الندوة إلى تسليط الضوء على إدارة الدعاوى التجارية في المحاكم وأوجه تطوير القضاء التجاري في السلطنة. وكما قال فضيلة الشيخ خالد بن راشد المنوري نائب رئيس المحكمة العليا أمين عام مجلس الشؤون الإدارية للقضاء فإن الاستفادة والاحتكاك بالتجارب القضائية الدولية، والتدريب المستمر ومواكبة التطور في مجال القضاء التجاري، وإيجاد الحلول المناسبة لما قد يعرض على القضاء من منازعات تؤدي إلى إيجاد بيئة استثمارية مستقرة.
لذلك جاءت الحلقات النقاشية في الندوة ملامسة للهدف والمسعى الذي نظمت الندوة من أجله، لا سيما وأن الندوة تستهدف أصحاب الفضيلة القضاة المختصين بالنظر في المنازعات النقاشية بوجود القضاة المتخصصين والأساتذة من الجامعات والكليات المختلفة والجهات الحكومية ذات الصلة، حيث تركز النقاش على جملة من القضايا والمسائل التي تتعلق بتعزيز ودعم دور القضاء التجاري في التسهيل والتيسير أمام المستثمرين، كإدارة الدعوى التجارية أمام المحاكم بما يشمل التسجيل، الإعلان، المواعيد، المداولة إصدار الأحكام، التنفيذ والإجراءات المتبعة أمام المحاكم لنظر الدعاوى التجارية، وتقييم الشكل القانوني عند إدارتها وضمان سير الدعوى وصولًا إلى المحكمة العليا ومن ثم التنفيذ، إضافة إلى مناقشة الإيجابيات والسلبيات التي أفرزها واقع العمل في المحاكم، وكذلك دور المحامين والخبراء في الدعوى التجارية في منظومة العدالة، وفي تكوين الأحكام القضائية وتقصير أمد التقاضي لإيصال الحقوق لأصحابها. وأيضًا الحماية القضائية للاستثمار كركيزة لتشجيع الاستثمار وتوسيع مردوديته وتحفيز مجالاته، والقوانين المشرعة من قبل الحكومة لموازنة تشجيع الاستثمار وحمايته، وكيفية تعزيز دور القضاء التجاري وتوفير العوامل المساعدة للاستثمار.
المصدر: اخبار جريدة الوطن