على المجتمع الدولي أن يدرك أن كل يوم يمر يفرض فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي واقعه ويقوض آفاق السلام، لذا عليه أن يتحلى بالشجاعة والإرادة السياسية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، لكبح جماح الإرهاب الإسرائيلي وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي وحقوق الإنسان. فليس معقولًا أن تظل بيوت غزة مهدمة منذ العدوان الأخير رغم اعتماد مجلس الأمن للقرار 1860 في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهري ديسمبر 2008 ويناير 2009، ومن بعده عدوان 2012، ولا يزال المجلس يفشل المرة تلو الأخرى في اتخاذ أي إجراء لمعالجة الظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني ووضع حد لمعاناته.
رغم أن اللجوء إلى المؤسسات الدولية، لم يكن يومًا هو الخيار الأفضل للقضية الفلسطينية، بسبب التواطؤ الدولي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فسجلات الأمم المتحدة ومجلس الأمن حبلى بالقرارات والإدانات ضد ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه في ظل الصراعات الجانبية التي تموج بها المنطقة، اتجه الفلسطينيون نحو استصدار المزيد من هذه القرارات رغم معرفتهم المسبقة بعدم تفعيلها وفاعليتها، كونها تشكل المتنفس الوحيد للقيادة الفلسطينية، فإذا لم تدرج خطوة حقيقية، فعلى الأقل استصدار قرارات تحفظ الحق للأجيال القادمة، خصوصًا وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي أدركت الحالة الشرق أوسطية أو صنعتها، من أجل فرض أمر واقع جديد، بمساعدة من حلفائها الظاهرين، ومن صنعتهم في الخفاء، مثل “داعش” وأخواتها.
ولعل رغبة القيادة الفلسطينية في استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يدين الاستيطان، ويوفر الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، اصطدامها بالحماية الدولية لدولة الاحتلال الإسرائيلي أمر مرجح كما في كل مرة. فمواقف ما يسمى المجتمع الدولي مما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي من إرهاب واستيطان، وفرض خريطة جديدة لدولة فلسطينية مفتتة، لا يتعدى الإدانة اللفظية للأسف، وذلك رغم معرفته الجيدة أن الاستيطان غير شرعي وغير قانوني، ومخالف للقانون الدولي وللشرعية الدولية.
هي إدانة لن تخلق أو تمنع وضعًا، ولن تعيق النشاط الاستيطاني أو تحد منه، لدرجة أصبح هناك نوع من صيغة التعايش الإسرائيلي مع المجتمع الدولي وبياناته، والعكس صحيح في كل ما يتعلق بالاستيطان، الأمر الذي أدى إلى استمرار الاستيطان وتسارعه كسياسة إسرائيلية تهدف إلى القضاء على فكرة حل الدولتين، وعلى إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًّا وقابلة للحياة، هذا بالإضافة لكون الاستيطان قد فرخ إرهاب المستوطنين ومنظماتهم الدموية التي تقتل الفلسطينيين، وتحرقهم وتدمر ممتلكاتهم ومقدساتهم.
هنا لا نلوم القيادة الفسطينية، فالواقع العربي، وتراجع القضية الفلسطينية بين الأولويات العربية التي أصبحت عوامل جديدة على القيادة الفلسطينية التعامل معها، كما يشكل الانقسام الفلسطيني حالة أخرى تبعد القضية الفلسطينية عن رؤية موحدة للشعب الفلسطيني هو أحوج ما يكون لها الآن، حتى يحدد خياراته الجديدة، التي تبتعد بالتأكيد عن مفاوضات عقيمة تكسب بها دولة الاحتلال الوقت لفرض الأمر الواقع وابتلاع الأراضي الفلسطينية. فعلى مدار أكثر من 23 عامًا وقعت السلطة الفلسطينية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 20 اتفاقًا، لم ينفذ منه اتفاق واحد.