**
تأتي الانتهاكات التي ترتكبها المجموعات الإرهابية (جبهة النصرة) وأعوانها وداعش وحلفاؤها للهدنة وبالتزامن مع تسريب واشنطن بنود وتفاصيل وملامح خطتها المزعومة (ب)، الذي استبق وزير الخارجية الأميركي الهدنة بالحديث عنها، لتأكيد خبث نوايا وحقيقة أن داعمي الإرهاب وأدواتهم على الأرض غير مستعدين للمضي في طريق التسوية السياسية وأنهم غير مبالين وغير مكترثين لحجم معاناة السوريين من استمرار الحرب، وأنهم أرادوا الهدنة لالتقاط الأنفاس, وإعادة ترتيب الأوضاع وإعادة التسليح والتموضع الميداني للجولة اللاحقة من الحرب، ورغم أن القيادة السورية كانت تدرك هذه الحقيقة والأهداف الخبيثة المخبوئة وراء تلك الهدنة، لكن مسؤوليتها الوطنية تجاه الشعب السوري المنهك من الصراع، كانت عامل الحسم في الموافقة عليها.
ولكن من غير المعقول وغير المتوقع أن تقف القيادة السورية مكتوفة اليدين إزاء الخروقات الخطيرة للجماعات الإرهابية التي تقودها جبهة النصرة وذيولها من جهة وداعش والمتحالفين معها من جهة أخرى، لذلك جاء رد الجيش العربي السوري على هذه الخروقات الخطيرة سريعا أفقد الإرهابيين المبادرة، مما يبرز الإمكانيات الكبيرة التي أصبح يتمتع بها الجيش العربي السوري، وهو ما يتوافق مع تأكيدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن الجيش السوري بات قادرا على تحرير أرضه من المسلحين، لكن رغم يقظة الجيش السوري وقيادته السياسية يبقى التأكيد على تعقيد الوضع في محيط حلب، وذلك نظرا لأهميتها الاستراتيجية التي صنعت منها عقدة الصراع المسلح، حيث تمتد الحدود التركية السورية البرية لنحو 822 كلم، ويشكّل ذلك الشريط الحدودي الطويل عبر نقاطه ومعابره منفذا استراتيجيا هاما لتدفق آلاف المسلحين الأجانب القادمين مع أسلحتهم عبر تركيا، كما شكّل أيضا محورا رئيسيا لوصول الدعم اللوجيستي من الإمدادات والسلاح الذي يصل إلى أيدي الجماعات المسلحة الإرهابية، أبرزها تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين، ومن يدور في فلكهما من جماعات إرهابية صغيرة يسميها الداعمون “المعارضة المعتدلة”.
إن داعمي تلك الجماعات قد استغلت الهدنة وبدأت في إدخال المسلحين والسلاح بهدف إحداث تفوق لعملائها في الداخل، وهو ما يتوافق مع الخطة (ب) التي كشفت النقاب عنها صحيفة “وول ستريت جورنال” وقالت إنها تقوم على سعي المخابرات الأميركية إلى تزويد المعارضة المسلحة (المعتدلة)، بأنظمة أسلحة تساعدهم على توجيه هجمات ضد مواقع وطائرات ومدفعية قوات الجيش السوري. وتركز الوكالة اهتمامها على أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف، وبرغم الأكاذيب التي تحدثت أن ذلك لن يكون إلا في حالة انهيار الهدنة، إلا أن حادثة إسقاط طائرة سورية والهجوم الواسع النطاق الذي تشنه المجموعات الإرهابية في حلب، يؤكد أن داعمي الإرهاب قد بدأوا مخططهم الجهنمي بالفعل.
أن الجهود السورية الروسية الهادفة إلى تحقيق عملية سلام يصنعها السوريون تصطدم دائما بأهداف داعمي الإرهاب في التدمير، وهو ما عبرت عنه روسيا بوضوح بقولها إنه إذا كانت الخطة التي تتضمن احتمال التحول للعمليات العسكرية موجودة بالفعل، فإن ذلك يثير قلقا عميقا، ويقوض الجهود المخلصة في أن يؤدي وقف إطلاق النار في سوريا إلى تسوية سياسية عبر طاولة المفاوضات، التي عليها أن تتبنى دستورا جديدا يكون من السوريين وإليهم، ولعل هذا التحول يفسر عودة نغمة الشروط المسبقة التي تضعها المعارضة في لقاءات جنيف الحالية، وهو ما يعد شكلا من أشكال الابتزاز السياسي عبر الضغط على المتفاوضين لاتخاذ مسارات وتوجهات معينة، ستؤدي إلى إفشال المفاوضات وانهيار الهدنة، مما ينعكس على فاتورة جديدة من الدماء سيدفعها السوريون وحدهم، لتبقى معارضة الخارج تنعم بأموال داعميها، ويبقى إرهابيو الداخل يمارسون التدمير الممنهج لسوريا وتفتيت بنية المجتمع السوري تنفيذا للخطة الأساسية التي تتخفى خلف شعارات “الحرية والديمقراطية” التي ينعق بها هؤلاء الأدوات.