بالبكاء والعويل استقبلت إسرائيل نبأ المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، وكأن خطوة الوحدة عبء كبير عليهما، بل اعتداء أيضا. وفتحت الصحافة الإسرائيلية الأعين على حقيقة الموقف الإسرائيلي المتذمر من خطوة التقارب الفلسطينية، زاعمة أن نتنياهو كان سيوافق على مفاوضات ليفي ـ عريقات في بحث حدود دولة فلسطين لولا إعلان المصالحة.
كلام مضحك وساخر اعتاد عليه الإسرائيلي في لائحة تكاذبه الذي عانت منه القضية الفلسطينية على مدار سنواتها .. فاسرائيل لم يكن في نيتها أي شيء من كلام صحفها حول الموافقة في بحث حدود دولة فلسطين، خصوصا أن نتيناهو كان يمارس المماطلة كعادة كل قادة إسرائيل في موقفهم مما اصطلح على تسميتها بمسيرة الحل السلمي. عدوى اسرائيل وصلت الى البيت الأبيض الذي كان مصدوما بالمصالحة، وكانت قراراته الفورية دراسة امكانية وقف المساعدات للسلطة، لكنه مع ذلك تراجع خيفة من انفراط جهود وزير الخارجية جون كيري الذي أصر على استكمال دوره في المفاوضات التي بات يؤمل لها إسرائيليا ألا تصل الى اي هدف، بل الى طريق مسدود كعادتها.
بوضوح تام أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه التام ليهودية اسرائيل .. ولقد بتنا نقرأ في هذا المجال عن أفكار اسرائيلية ترفض بقاء عباس في رئاسة السلطة.. وقد تذهب إسرائيل إلى حد اغتيال عباس تحت اكثر من ذريعة كما فعلت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. فقد تمسك السلطة الفلسطينية بالمصالحة والوحدة الوطنية كخيار استراتيجي، والإصرار عليها، وفتح كل الأبواب في وجهها كي تتم حسبما جاءت اتفاقاتها، بقدر ما تتقلب به أمور السلطة إسرائيليا، وكيف قد تتوصل إسرائيل إلى إعادة الاعتبار لكل ما يسيء للسلطة كي تتراجع عن المصالحة.
ولاشك أن مجرد مفهوم التقارب الفلسطيني مرفوض اسرائيليا .. وبقدر ما ينجح الانقسام ويتفشى ويتصاعد وتطول مدته ليصل الى حد القطيعة، فهو قمة الطلب الاسرائيلي. فالانقسام الفلسطيني ليست تبعاته الحالية هي المطلوبة إسرائيليا، بل تأثيره في المدى المنظور أو البعيد بحيث يؤدي الى ايجاد اجيال فلسطينية ليست متباعدة فقط بل عدوة لبعضها .. إن الأثر العميق الذي يتركه الانقسام الفلسطيني إذن ليس محصورا بالواقع الحالي، بل تراه اسرائيل مهمة دائمة لاينبغي لأي من القيادات الفلسطينية التراجع عنه.
الآن وببساطة يمكن القول، إن اسرائيل التي لم تقدم شيئا للفلسطينيين سوى المزيد من التكاذب، ستقول إنها ستتراجع عن كل ما كانت تفكر فيه ازاء الفلسطينيين، وتلك مسخرة من مساخر الصهاينة الذين يعبثون بالوقت كونهم لن يمنحوا الفلسطينيين أي مطلب من مطالبهم المحقة، سواء بالتراجع عن الاستيطان الذي غير من معالم الضفة الغربية، او بوضع حل لمسألة اللاجئين، او الاعتراف بالحق الفلسطيني في ان تكون القدس عاصمة لهم.
لاشك أن خطوة المصالحة الفلسطينية اذا استمرت ولم تنجح الضغوط الأميركية والأسرائيلية في اعادة فكفكتها قد تتجاوز في أهميتها تلك المباحثات الأميركية الإسرائيلية الفلسطينية التي مازالت سرابا او بحثا في الهواء الطلق او كتابة على الماء. وبقدر التمسك بها، يمكن للفلسطينيين فرض شروط مختلفة أو الضرب عرض الحائط كل ما قد يخجل الأجيال الفلسطينية القادمة او يسييء إليها وإلى مستقبلها.