المواقف الأميركية تجاه جولات محادثات جنيف أو أستانة الخاصة بما أصطلح على تسميته (الأزمة السورية) تبدو متدحرجة تارة ومتذبذبة تارة، ومشوشة ومعرقلة ومربكة تارات أخرى، وهو ما يعكس غياب الإرادة الأميركية نحو حل الأزمة السورية حلًّا سياسيًّا ناجزًا يفضي إلى نتائج ترضي جميع الأفرقاء السوريين، من إجراء انتخابات وحكومة وحدة وطنية، وإعداد دستور جديد وغير ذلك من الإجراءات والمتطلبات التي تحفظ وحدة سوريا ونسيجها الاجتماعي، وتصون سيادتها واستقلالها. لأن السير في هذا الاتجاه ـ وفق الرؤية الصهيو ـ أميركية ـ سيعني انتصار سوريا وعودتها بعد سبع سنوات دولة قوية، وهو ما يعني سقوط كل الأهداف المرسومة من وراء إضرام “الحريق العربي” في المنطقة بصورة عامة وسوريا بصورة خاصة؛ لما تمثله (سوريا) من دور محوري مؤثر في مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولمواقفها الثابتة من قضية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، الأمر الذي رآه المحتلون الإسرائيليون وحلفاؤهم عقبة كأداء أمام مشروعهم في تصفية القضية الفلسطينية، وتأمين بقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي.
وتمثل المؤتمرات التي عقدت من قبل وتلك التي لا يزال انعقادها مستمرًّا من فترة إلى أخرى ـ كما هو حال مؤتمر جنيف ومؤتمر أستانة ـ مرآة عاكسة ودليلًا لا يقبل النقاش على حالة الاستعصاء لبلوغ الحل المنشود للأزمة السورية، جراء المواقف المعرقلة والمعطلة المتبادلة بين الولايات المتحدة وأتباعها من المعارضة السورية أو من بعض القوى في الإقليم.
وفي الإطار ذاته، يلعب التدخل الإسرائيلي دورًا واضحًا ومؤثرًا في توجيه دفة الأحداث، سواء الميدانية وذلك من خلال العدوان السافر الذي يشنه الطيران الحربي الإسرائيلي أو المدفعية الإسرائيلية في منطقة الجولان السوري المحتل، فضلًا عن الدعم اللوجستي المتمثل في السلاح وتوفير المأوى والعلاج، والمعلومات التي عبرها يقوم المحتلون الإسرائيليون المتحالفون مع تنظيمات القاعدة الإرهابية بتوجيه هذه التنظيمات في الجغرافيا السورية للقيام بهجمات إرهابية وتخريبية ضد أبناء الشعب السوري والمدن والقرى السورية، أو الأحداث السياسية بدا ذلك واضحًا في مواقف “المعارضات السورية” وداعميها أيضًا في الإقليم. وذلك كله يؤكد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي هو الطرف الأصيل في مخطط استهداف سوريا، وتدميرها وتخريبها كما فعل من قبل بالعراق وليبيا.
ولذلك يبدو أن التناقض بين القول والفعل هو سيد مواقف الولايات المتحدة؛ فما جاء على لسان ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي خلال اجتماع لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل يوم الأربعاء (6 ديسمبر الجاري) بأن وجود الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة يجعل من المهم مشاركته في مباحثات التسوية في سوريا، وأنه أبلغ موسكو بأن الحكومة السورية يجب أن تحضر مفاوضات السلام التي تجري تحت رعاية الأمم المتحدة. فمثل هذا الموقف يحتاج إلى دليل يقوم عليه ويؤكده، عبر جملة من الإجراءات والخطوات من قبل واشنطن لتبرهن على أنها صادقة في ذلك، وأول خطوة يمكن معرفتها من خلال ما تبديه “المعارضات” الديكورية من التزام بما جاء على لسان تيلرسون؛ فلطالما حضرت هذه “المعارضات” إلى محادثات جنيف بشروط مسبقة لا يمكن تفسيرها إلا بأنها من أجل عرقلة الحل السياسي والتشويش والإرباك والتحريض، فضلًا عن أنها شروط تبدو أنها تم تلقينها إياها.
المصدر: اخبار جريدة الوطن