مثَّلت النهضة الاقتصادية ـ ولا تزال ـ القاطرة التي تقود جميع قطاعات النهضة المباركة نحو مساراتها المختلفة وأهدافها المرسومة، ونحو فضاءات المستقبل التي يمكنها استيعاب كل المتغيرات والظروف الاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية، لذلك كانت رؤية المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ وهو يؤسس للنهضة المباركة أن تستثمر موارد البلاد كافة، وأن يستغل العنصر البشري أفضل استغلال بحيث توظف قدراته وطاقاته وأفكاره وإبداعاته على نحو يقيم أركان النهضة المباركة في جميع جوانبها المختلفة دون استثناء، وأن تتعدد مصادر الدخل، وتتنوع مصادر الاقتصاد وتتفرع ما بين الشؤون المالية والمصرفية، والنفط والغاز، والتجارة والصناعة والثروة المعدنية والزراعة والماشية وصيد الأسماك ثم الموارد المائية، وإلى غير ذلك من مصادر جديدة ومتجددة مثل السياحة والتي تصنف في العرف الاقتصادي المعاصر على أنها نوع من الصناعات أيضًا.
ما من شك أن النهج السياسي الحكيم الذي أرسى أركانه جلالة السلطان قابوس ـ غفر الله له ـ والتي تمثَّلت في سياسة التنمية والسلام والاستقرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ووجوب حل المشكلات بالحوار، واحترام المصالح وتبادل المنافع، أرسى بدوره البيئة المناسبة والصحية والمناخ الملائم لتزدهر النهضة وتحقق أهدافها وتضاعف عطاءاتها ومنجزاتها، وتصون مكتسباتها، وتفتح أبواب الاستثمار المحلي والأجنبي، فضلًا عن الحرص الشديد على مواكبة العصر ومخترعاته وإبداعاته، وأن تكون السلطنة مع الركب في التقدم والتطور والرقي، وأن يكون للعقول والسواعد العمانية مكان في خريطة الابتكار والإبداع والاختراع، فالثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي من القضايا التي أكدتها الخطط التنموية، وبُنيت وفقها.
وترتكز رؤية “عمان 2040” والخطة الخمسية العاشرة التي تعد أولى مراحل التنفيذ لهذه الرؤية على الثورة الصناعية الرابعة، والذكاء الاصطناعي، وقواعد البيانات الضخمة، لتحقيق التحول الرقمي لدعم عملية التخطيط، علاوة على الاتجاه إلى التخطيط والتمويل والإدارة بالنتائج.
لذا ما تضمنه كتاب “التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي في الدول العربية” الذي أصدره هذا الشهر صندوق النقد العربي من إشادة وسرد لمسيرة حافلة بالإنجازات والعطاءات للنهضة المباركة في القطاع الاقتصادي جاء توصيفًا لمعطيات الواقع وحقائقه ومصدقًا عليها، حيث أكد الصندوق في كتابه أن “السياسة الخارجية التي تتبعها السلطنة ساهمت في الحد من التأثير السلبي للتحديات التي تواجهها على مسار التخطيط التنموي، في ظل ثبات الأولويات الوطنية للتنمية، وأن الظروف التي تمر بها المنطقة العربية أثرت على معدلات التنمية الاقتصادية بشكل عام، وأدت إلى تشجيع السلطنة للجوء إلى مصادر أخرى لتمويل الخطط التنموية من خلال تحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وأن رؤية “عمان 2040” تشكل أولوية وطنية يتم التركيز عليها خلال العشرين سنة القادمة، حيث أحد الأهداف الرئيسية التي تضمنتها رؤية السلطنة نص على وجود هوية اقتصادية فريدة تتكامل مع سلاسل الإنتاج والخدمات العالمية تحت مسمى “القطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي”.
ومع ما أكده كتاب الصندوق، فإن السلطنة ماضية بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على طريق التحديث والتطوير والتنمية والتخطيط الاقتصادي القائم على الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، والاستثمار الأمثل لطاقات الشباب وقدراتهم وإبداعاتهم، وإيلائهم الرعاية والعناية وتبني مبادراتهم وأفكارهم، وغير ذلك التي تمثل ركائز ومنطلقات لرؤية “عمان 2040”.
المصدر: اخبار جريدة الوطن