شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة كبرى في معالجة الأمراض الوراثية، والعمل على الوقاية منها، وأخذ العلم الطبي الحديث منحى جديدًا، بعد التعرف وظهور العديد من الأمراض الوراثية التي تأتي عبر طفرات جينية، فكان العلم سلاحًا يحاول اكتشاف هذه الأمراض مبكرًا والعمل على الوقاية منها؛ لأن أي حركة تنموية في العالم تعتمد على إنسان صحيح البدن، قادر ذهنيًّا على استيعاب التغييرات المتسارعة التي يشهدها العالم في العصر الحديث، كما سارعت دول العالم إلى الاعتناء بالجانب الوراثي، نظرًا لأن الجانب الوراثي يلعب دورًا مهمًّا في الصحة العامة للإنسان، وتؤدي العوامل الوراثية إلى أمراض مزمنة مثل السرطان والقلب والسكري، لذا اتجه العلم الحديث إلى اعتماد برامج صحية تقوم على الوقاية الخاصة من الاضطرابات الوراثية، ما أسهم في تحقيق فوائد صحية وتدارك أمراض من خلال التدخلات البسيطة واسعة النطاق مثل مكمِّلات حمض الفوليك؛ وكل من التحصين والتحري ومكافحة السمنة والسكري.
ومنذ بداية عصر النهضة المباركة، وفور إعلان حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ عن أهمية الصحة المستدامة للمواطنين في بناء الأوطان، وشعار جلالته الذي أكد أن الصحة حق لكل مواطن، فقد نالت العناية الصحية بعدًا آخر، أظهرت الأرقام حول متوسط أعمار السكان، أو زيادة عدد المواليد، والانخفاض الكبير في أعداد الوفيات، والقضاء على العديد من الأمراض عبر التحصينات الدورية، الجهد الذي بذل في الملف الصحي طوال العقود الخمسة الأخيرة، بجانب التوسع في عدد المستشفيات والمراكز الصحية، لتقديم خدمات صحية لجميع المواطنين في كافة ربوع هذه الأرض الطيبة، وتوفير كافة الأجهزة المتطورة عالميًّا ليحصل المواطن على خدمات صحية عالية الجودة.
ومع هذا التطور وهذا النمو الكبير للقطاع الصحي، بدأت الحكومة في السعي إلى إقامة مراكز خاصة تعنى بالأمراض الأكثر شيوعًا في المجتمع العماني، وتسعى إلى استدامة الصحة العامة للمواطنين، ويأتي المركز
الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني أحد المراكز ذات الأهمية الكبرى، كونه يهتم بصحة المستقبل، ويعمل على التأكد من خلو الأجيال القادمة من العديد من الأمراض المبكرة عبر الكشف المبكر عن تلك الأمراض، فقد أشارت الإحصائيات بوزارة الصحة إلى أن المركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني استقبل 2087 مراجعًا خلال عام 2018م من مختلف محافظات السلطنة، حيث يهدف المركز إلى توفير خدمات صحية تخصصية في مجال الأمراض الوراثية بشتى أنواعها تماشيًا مع التقدم العلمي المتسارع في هذا المجال، ما يتيح للمواطن الاستفادة من هذه الخدمات التشخيصية والعلاجية والوقائية على حد سواء.
إن ما يقدمه هذا المركز من خدمات صحية يؤكد السعي الحكومي نحو بناء حالة صحية مستدامة للمواطنين، حيث استحدث المركز منذ إنشائه العديد من الفحوصات التشخيصية النوعية؛ وذلك بهدف تقليص مدة إنجاز وسرعة التشخيص لبعض الفحوصات المهمة المتعلقة بأورام الدم، والتي كانت ترسل إلى خارج السلطنة في السابق، كما استحدث المركز الوطني خدمات الفحص الجيني الجزيئي محليًّا للكثير من الأمراض المنتشرة بشكل واسع في السلطنة مثل أمراض التكيسات الكلوية وأمراض الأورام المتوارثة وأمراض القلب وغيرها من الأمراض، كذلك يسعى المركز الوطني للصحة الوراثية إلى تشجيع الدراسات والأبحاث في مجال الصحة والأمراض الوراثية، ليكون المركز أداة فاعلة للحفاظ على مستقبل صحة المواطنين، منطلقًا من الوقاية والعلاج المبكر للأمراض الوراثية.
المصدر: اخبار جريدة الوطن