على الرغم من وقع الصدمة التي لا تزال تعيشها أوروبا جراء الهجمات الإرهابية التي استهدفت عاصمة اتحادها وحاضنة حلفها “الناتو” بروكسل، فإن في الأفق ليس ثمة ما يشير إلى أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة بدأ يعيد حساباته بعد دعمه الإرهاب تحت مسميات وشعارات زائفة أراد من خلالها تحقيق أهدافه الاستعمارية وخدمة حليفه الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي عبر منظومة متكاملة تضم إلى جواره أنظمة إقليمية وعربية وغير عربية وأدوات إرهابية، كما ليس في الأفق ما يشير إلى أن الغرب بدأ يعمل جردة حساب لخسائره الحالية وما سيدفعه من ثمن مستقبلًا إن استمر على ذات سياسته.
ولعل واحدًا من بين جملة مؤشرات على ذلك هو وجود اتجاه لدى أطراف بتحويل الأنظار عن حقيقة الدور الذي لعبته دول أوروبية بالتعاون مع أنظمة إقليمية وعربية تحت القيادة الأميركية في دعم الإرهاب وتدمير دول عربية رأت أن مصالحها ومصالح حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي لا تتحقق في المنطقة إلا بتدميرها، ويأتي في مقدمة هذه الدول سوريا بعدما تدمير ليبيا والعراق، وذلك عبر حرب بالوكالة تتمثل في الإرهاب وتكليف قوى معروفة ومكشوفة بتولي مهمة إنتاج ودعم تنظيماته، على أن تقوم المنظومة كاملة والمتآمرة على تقديم الغطاء الشرعي والسياسي والدبلوماسي لتلك التنظيمات التي بدأ خطرها يرتد على داعميها الذين سوَّقوها للعالم كذبًا وزورًا على أنها “معارضة سورية معتدلة”، حيث أرادت هذه الأطراف صرف الأنظار من خلال محاولة ربط منفذي هجمات بروكسل بمافيات الإجرام والمخدرات، وأن حال منفذي هذه الهجمات ليست جديدة وإنما تعود إلى فترة التسعينيات حين قدم منفذون من عالم الجريمة إلى عالم الإرهاب. وما من شك أن هذا التفسير الذي يفهم أنه محاولة لصرف الأنظار والانتباه عن الدور السلبي والهدام الذي لا تزال تلعبه دول أوروبية مع الولايات المتحدة وأنظمة إقليمية وعربية هو محاولة للهروب من الحقيقة إلى الأمام والتملص من المسؤوليات، كما أنه يتناقض مع المعلومات القائمة حول ارتباط منفذي هجمات بروكسل بالإرهابيين الذين يعيثون فسادًا في سوريا.
وثاني المؤشرات الدالة على عدم ارتفاع مستوى الإحساس بالمسؤولية والدور يبدو في حالة الدلال السياسي الذي لا تزال وفود “المعارضات” تمارسه في محادثات مؤتمر جنيف الثالث، وتمترسها على غيها وعهدها القديم بممارسة الابتزاز والتعطيل وطرح الشروط المسبقة، فيما يحاول جون كيري وزير الخارجية الأميركي من جهته الالتقاء والتكامل معها في ممارسة الابتزاز ذاته وإبداء المساومات وذلك أثناء زيارته الأخيرة لموسكو ولقائه كلًّا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، لدرجة أن الرئيس بوتين أطلق نكتة لكيري ساخرة في ظاهرها جادة في باطنها وهو يحمل حقيبته قائلًا له: ماذا يوجد في حقيبتك؟ هل هو المال لتساوم أفضل معنا؟
في الحقيقة دائمًا هناك تفصيل مهم في الخط البياني الأميركي المعوج، يتضح دائمًا منذ بداية الأزمة في سوريا، وهو البحث المستمر للولايات المتحدة عن مجال لقلب ميزان القوى العسكري لمصلحتها، ليس ضمانًا لحصة حلفائها فحسب، بل لضمان سيطرتها على الموقف وفرض ذاتها في مشهدي السياسة والميدان معًا. غير أن الذكاء السوري ـ الروسي كان جاهزًا للرد عمليًّا وميدانيًّا على ما جاء به كيري إلى موسكو، وعلى الدلال السياسي والابتزاز الذي تمارسه ما يسمى “المعارضات” في جنيف، وذلك بدخول الجيش العربي السوري وحلفائه عروس الصحراء مدينة تدمر والبدء في تطهيرها من دنس الإرهاب، وعما قريب جدًّا ـ بإذن الله ـ سيعود إليها الاستقرار، وتستعيد رونقها ومكانتها في التاريخ والتراث الإنساني.
على أن الميدان سيستمر لصالح الدولة السورية وحلفائها وسيفرض كلمته وسيظل المماطلون والمعطلون والمراوغون يحصدون خيباتهم وانكساراتهم وهزائمهم كما في كل مرة، ومع سلوكهم هذا سيرتد عليهم الإرهاب الذي يدعمونه ويحمونه بالمزيد من الآلام، وهذه نتيجة طبيعية لمن لا يتعلم من أخطائه وعبر التاريخ.