معادلة الارتباط بين الحراك السياسي والعمل الميداني على الساحة السورية هي معادلة واضحة في المشهد السوري منذ تفجير المخطط الصهيو ـ أميركي ـ غربي ـ إقليمي بهدف تدمير سوريا وإخراجها من جميع المعادلات في المنطقة حالها حال العراق وليبيا. فكل التحركات السياسية وتعاقب المبعوثين الأمميين إلى سوريا تحت عنوان “حل الأزمة السورية” من كوفي أنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى الحالي ستافان دي ميستورا، ومن خطة أنان إلى مؤتمرات جنيف إلى ترتيبات الإبراهيمي إلى الجهود الحالية لدي ميستورا، كل هذه التحركات لم تكن معزولة عن ما يفرزه الميدان السوري من نتائج، سواء كانت تصب في صالح الدولة السورية أو في صالح معسكر التآمر والعدوان، وبالتالي أصبح التعويل السياسي والدبلوماسي معلقًا على ناتج الاشتباك الميداني.
ولذلك وأمام حقيقة المعادلة هذه، ارتبط التعطيل لمسار الحل السياسي للأزمة السورية بمعسكر التآمر والعدوان وذلك لرجحان كفة الدولة السورية، حيث يوالي الجيش العربي السوري وحلفاؤه الانتصارات في مختلف الجبهات، ويلحق هزائم وخسائر هائلة في صفوف التنظيمات الإرهابية التي راهن عليها المعسكر في تغيير موازين الميدان بما يجعله هو المتحكم في مفاصل المفاوضات والحل السياسي في الزمان والمكان، وفرض شروطه وإملاءاته، وهو ما لم يتأتَّ حتى اللحظة ولم تهب رياحه وفق ما تشتهيه سفن معسكر التآمر والعدوان.
الدولة السورية وحلفاؤها مدركون للحقيقة الثابتة أن انتصار معسكر التآمر والعدوان في أي جولة من جولات الاشتباك الميداني أو في جميعها يعني تحول سوريا إلى قاعدة جديدة للإرهاب بعقائده وأيديولوجياته البارزة على الساحة السورية، وإلى بؤرة ملتهبة سيواصل معسكر التآمر والعدوان زيادة مفعولها بتزويدها بكل ما تحتاجه من دعم وسلاح ومال وعناصر إرهابية، لتكون سوريا فيما بعد منصة متقدمة لانطلاق الإرهاب ورعايته لاستهداف دول المنطقة والعالم، بما في ذلك روسيا الاتحادية والصين؛ ولذلك لم تخفِ سوريا وحلفاؤها العزم على مواصلة النضال والصمود أمام هذا المخطط المدمر للإنسانية والبشرية والجغرافيا، بل وللحياة بأسرها، وتطهير كل ذرة من التراب السوري من رجس الإرهاب، ذلك أن هذا الإرهاب التكفيري سيشكل تكاملًا مع الإرهاب الحاضن والراعي والداعم له المتمثل في بؤرة الإرهاب المسماة “إسرائيل” على الأرض السورية.
وتعد حلب الشهباء هي العنوان الأبرز إما لانتصار هذين الإرهابين (التكفيري والصهيوني) لا سمح الله، وإما لانتصار الجانب المضيء لقوة الحق والإرادة والطهر الذي تمثله الدولة السورية وحلفاؤها، حيث أطلق الجيش العربي السوري وحلفاؤه عملية عسكرية ضخمة في حلب المدينة الصامدة ليلة الجمعة استطاع خلالها التقدم في أربع جبهات دفعة واحدة ملحقًا هزائم بالمسلحين. وبحسب مصادر ميدانية فإن الجيش بالتعاون مع القوات الرديفة عبر هذه العملية أشعل جبهات حلب وخطوط التماس فيها بعد تمهيد ناري مدفعي وصاروخي وجوي شارك فيه سلاح الجو السوري الذي سجلت مقاتلاته عودة ملحوظة إلى الجبهات في المدينة والريف الشمالي، ما شكل ضغطًا كبيرًا على المسلحين الذين اضطروا إلى إخلاء بعض مواقعهم في حي بني زيد تحت وقع الكثافة النارية التي لم تعهدها حلب من قبل والتي وصفها سكان المدينة على أنها حرب عالمية ثالثة.
وعلى الرغم من معادلة الارتباط السياسي بناتج الاشتباك الميداني، لا يزال هناك اعتقاد بأن المشهد يعكس توافقًا أميركيًّا ـ روسيًّا لجهة جملة عناوين على مستوى المنطقة وليس العنوان السوري فقط، ولكن من يتابع التحركات الأميركية يدرك يقينًا أن واشنطن تسير عكس تيار أو إرادة التوافق التي تريدها موسكو بأهمية استقرار المنطقة وحل أزماتها سلميًّا وسياسيًّا وعبر الحوار. فالولايات المتحدة مستمرة في دعم الإرهاب وتنظيماته بكل قوة، وفوق ذلك لم تتورع عن مسعى تعويم إرهاب ما تسمى “جبهة النصرة” المصنفة بقرارات مجلس الأمن الدولي أنها تنظيم إرهابي يحظر التعاون أو التعامل معه، ومحاولة توظيف هذا الإرهاب التكفيري في سياقات مشاريعها التخريبية والتدميرية المنافية لأبسط مظاهر الاستقرار، وفي الاتجاه الآخر تواصل تزويد ترسانة الإرهاب الصهيوني بآخر ما توصلت إليه مصانع السلاح في الولايات المتحدة. لذا استمرار الجيش العربي السوري وحلفائه في تسطير البطولات والانتصارات وتطهير سوريا من رجس الإرهاب هو المدخل الحقيقي لاستقرار سوريا، وتطهير مدينة حلب بالتحديد هو عنوان الانتصار الأبرز.