على وقع المآسي والكوارث التي تحل بالشعب السوري على أرض وطنه أو في الشتات أو في عرض البحر، لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن هناك مراجعة حقيقية لدى معسكر التآمر والعدوان على سوريا، بل إن هذا المعسكر ماضٍ حتى النهاية للإجهاز على سوريا مثلما أجهز على العراق وليبيا وغيرهما، ويُعِد العدة للإجهاز على بقية الدول العربية الموضوعة على قائمة الاستهداف لديه.
المؤسف حقًّا، أن تمضي المؤامرة على سوريا شعبًا وجيشًا وقيادةً وجغرافيا، وقد انكشفت جميع أوراقها وفصولها، ويستمر المعزولون عن الواقع والمغيبون في السباحة مع التيار الذي جرفهم منذ بداية تفجير مؤامرة “الحريق العربي” ليودي بهم إلى نهايات مهلكة، ولا يوجد لديهم خط رجعة أو مراجعة ووقفة مع النفس للتساؤل والتفكر في كل هذه المصائب والكوارث التي تسبب فيها هذا “الحريق العربي” والواقفون وراءه وداعموه، ومن المستفيد من كل هذا الذي يجري من دمار وخراب وإبادة في البر والبحر؟ وما العلاقة بين إهلاك الحرث والنسل بما يسمى “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والدولة المدنية”؟
إن لحظة عاقلة وصادقة مع النفس مطلوبة حقًّا وبصورة جدية خاصة من قبل أولئك المخدوعين بترهات معشر المتآمرين والمنافقين ودموعهم المنافقة “”دموع التماسيح”، وبترهات وفبركات وسائل إعلام ساقطة مهنيًّا وأخلاقيًّا، التي لا تزال تواصل عملية التعمية وتشويه الحقائق وسترها وتزييف الواقع وتغييب وعي الناس، ونسبة الجرائم والكوارث والمآسي إلى غير فاعليها الحقيقيين أو غير المتسببين بها. فالصورة العدوانية لـ”الحريق العربي” وبعد المشاهد المؤلمة والمقصودة، سواء بتحويل البحار إلى مقابر إضافية إلى مقابر البر للشعب السوري وعموم المهاجرين الهاربين من جحيم الإرهاب، أو تلك المعاملات غير الإنسانية والمعبرة عن البون الشاسع بين التشدق بالقول بـ”الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان”، وبين الفعل الممارس بحق النساء والأطفال وتمزيق شمل الأسر بين الزوجة وزوجها، وبين الأم ورضيعها وأطفالها، فهذه الصور والمشاهد كافية ـ لكل ذي عقل ولب ومنصف وذي ضمير إنساني ـ أن تعطيه الترجمة الحقيقية لواقع “الحريق العربي”، بأن ما يحدث لا علاقة له البتة بما ادعوه وزعموه وقالوه عن “الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية”، بدليل أن الوسائل والآليات المستخدمة لا علاقة لها إطلاقًا بمظاهر الديمقراطية والحرية، والتقدم والتطور، وبناء الدولة المدنية وصناعة المستقبل، وإنما هي أدوات ووسائل إجرامية إرهابية وظلامية وتكفيرية مبنية على الأحقاد والكراهيات والبغضاء والفتن والوحشية والانحطاط الأخلاقي والقيمي، وهذه سمات معروفة تاريخيًّا وواقعًا أنها من سمات الاستعمار الامبريالي، كيف لا؟ إذا ما علمنا أن المنتفع والمستفيد من كل ما يجري من دمار وإبادة هو أركان الاستعمار القديم ـ الجديد تحت القيادة الصهيو ـ أميركية، مدعومة بطوابير من العملاء والخونة والمرتزقة والإرهابيين والتكفيريين.
ولذلك، مؤلم حقًّا، ويندى له الجبين، أن تنطلي هذه اللعبة الاستعمارية وفصول المؤامرة هذه التي تستهدف ضرب العقد الاجتماعي وتفتيت البنية المجتمعية بالإرهاب التكفيري والطائفي والفتن المذهبية والطائفية، لتكون مقدمة لتفتيت الوحدة الجغرافية، على شرائح في الوطن العربي، ومع هذا الانكشاف تظل أسيرة لمزاعم المنافقين والمتاجرين بحقوق الإنسان وبالحروب وسماسرتها، ومنقادة وراء إعلام هدام ساقط مهنيًّا وأخلاقيًّا لا يزال يعبث بالفكر وبمصير المنطقة ويخدم الاستعمار. ومحزن أن يتحول أناس إلى إمعات يرددون ما يتفوه به هؤلاء الأعداء المتآمرون وعصاباتهم التكفيرية والإرهابية والعميلة والخائنة، ويشاركونهم ـ تأييدًا ـ في هذه المؤامرة وجرائمها والانجرار وراء مغالطاتهم المقصودة للتعمية على جرائمهم ضد الإنسانية.