أحيا الشعب الفلسطيني يوم أمس الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض التي انطلقت في العام 1976م وتحديدًا في الثلاثين من شهر مارس، وسط متغيرات وتحولات هائلة قادها بصورة خطيرة ومفزعة التآمر الصهيو ـ أميركي ـ غربي ـ إقليمي على المنطقة من أجل خلق واقع جديد يكون فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي القوة الكبرى المهيمنة الأوحد، وما عداه مجرد كانتونات ونتف موزعة هنا وهناك، يضيع بينها كل ما كان يجمعها من تاريخ مشترك وعقيدة ولغة وعادات وتقاليد وغير ذلك، وتظل هذه النتف في صراع وتناحر واقتتال مرير بينها تكون جذوته ما كان يجمعها.
هذا المخطط التآمري الخطير ـ الذي انطلق بكذبة صهيو ـ أميركية ـ غربية ـ إقليمية كبرى هي “الربيع العربي” ـ هدفه الأوحد والأكبر بات معروفًا ومكشوفًا ومفضوحًا لدى جميع شعوب المنطقة وعقلائها ورشدائها وحكمائها، وهو تحقيق الحلم التلمودي بإقامة المستعمرة الكبرى المسماة “إسرائيل” والخالصة للشعب اليهودي، وفي المقابل تصفية القضية الفلسطينية، وإيجاد وطن بديل للشعب الفلسطيني، وطمس كل ما يمت للشعب الفلسطيني بفلسطين من وطن وهوية وأرض وكل حق، حيث الاستعدادات الصهيو ـ أميركية ـ إقليمية تواصل خطواتها اليوم لترجمة هذا الحلم التلمودي عبر ما سمي بـ”صفقة القرن” التي وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بـ”صفعة القرن”، وعبر قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، واعترافها بأن المدينة المحتلة هي عاصمة المستعمرة الكبرى المسماة “إسرائيل”.
ما من شك أن كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي أطلق آلته التهويدية والاستيطانية بسرعتها القصوى، مع ما يصاحب ذلك من جرائم حرب وانتهاكات إنسانية وممارسات نازية جديدة ضد الشعب الفلسطيني، قد أصيب بصدمة كبرى وهو يرى الزحف الذي نفذه الشعب الفلسطيني أمس إحياء لذكرى يوم الأرض، وتذكيرًا لما يسمى المجتمع الدولي بالحقوق الفلسطينية المغتصبة، والانتهاكات وجرائم الحرب التي يقوم بها الاحتلال الوحشي الإسرائيلي، وليذكِّر القوى الغربية المتحالفة مع هذا الكيان الإرهابي الغاصب استراتيجيًّا والتي تمده بأسلحة القتل والفتك والتدمير، بأنهم أصحاب حق، وصاحب الحق هو الأقوى، فلا تفزعه القنابل والمدافع والرشاشات، ولا تردعه القرارات العنصرية، لذلك بدت الفوارق شاسعة بين ما انتاب المحتل المغتصب الإسرائيلي من خوف وارتباك، فحشد جميع قواته من دبابات وطائرات حربية، ونصب القناصة معطيًا الأوامر باستهداف المسيرة الفلسطينية السلمية، ليبدو الفارق أكبر وبصورة مخجلة بين محتل مدجج بكل أنواع الفتك والقتل، وقد قام بالفعل بالاعتداء الوحشي مُوقِعًا أكثر من خمسة عشر شهيدًا وألف وخمسمئة مصاب، وبين مقاوم فلسطيني (صاحب الحق) أعزل لا يحمل سوى علم وطنه الفلسطيني. ومن المؤكد أن مستوى القلق والخوف والارتباك لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه وعملائه قد بلغ أعلى درجاته وهو يرى انهيار كل ما ظل يعمل عليه طوال سبع سنوات من عمر مخططه التآمري المسمى كذبًا وزورًا “الربيع العربي”، فتلك الحشود الفلسطينية السلمية المنتفضة أثبتت أن القضية الفلسطينية لم ولن تموت، وأن الشعب الفلسطيني شعب حي وخلاق وذو ثقافة مقاومة ونضال، وأنه قادر على إفشال مخططات التآمر التي تستهدفه وتستهدف قضيته وتصفيتها، وأن الفلسطينيين هم الأقدر على استعادة حقوقهم متى ما توحدوا ورصوا صفوفهم، ومسيرة العودة التي أطلقوها أمس هي خير برهان ودليل.
المصدر: اخبار جريدة الوطن