مثلما يتناقل اسم مجان من جيل إلى جيل مخلدًا اسم عُمان القديمة واسم حضارة عمانية راسخة في التاريخ، ها هو اسم عُمان بثوب نهضتها الحديثة بقيادة مؤسسها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ يخط رسمه على كافة الخرائط السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية وفي جميع المحافل والمؤسسات والمنظمات الدولية، وها هو اسم عُمان تصدح به الألسن في الأروقة السياسية والاقتصادية والثقافية، في متوالية من الخلود الحضاري وتطوره عبر أسماء مهرجانات ومواقع وسفن وندوات ودراسات، وكلها فعاليات ومواقع تخلد هذا الاسم الجميل الذي يحتفظ لبلادنا بمكانة مرموقة كدولة ذات حضارة موغلة في القدم تؤكد رسوخ صورة العمانيين كأحد الشعوب التي أسهمت في التطور البشري، ومن الأنشطة التي ساعدت عبرها الحضارة العمانية في ازدهار البشرية يأتي الإرث البحري وسيطرة العمانيين على الأنشطة البحرية عبر بحار ومحيطات وأنهار شهدت مسار التجارة العالمية في الماضي ولا تزال تشهد حتى الآن، وجعلت من هذه الأنشطة جسور تواصل حضاري وعلاقات محبة وتبادل ثقافي.
والنشاط البحري التجاري الذي مارسه العمانيون ردحًا من الزمن كان جسرًا لإنشاء علاقات سياسية وثقافية واقتصادية بين بلادنا وبلدان العالمين القديم والحديث وصولًا إلى الولايات المتحدة التي تعد العلاقات العمانية معها أول علاقات عربية تقام مع تلك الدولة الفتية آنذاك، وقبل ذلك التاريخ بألف عام كانت السلطنة قد أقامت علاقات مع الهند توجت بواحدة من أقدم الممثليات الدبلوماسية بين البلدين .
ونحن نسرد هذا التاريخ العريق من الثراء الحضاري والثقافي والتواصل الإنساني المتميز بذاته وبتميز الإنسان العماني، نقف اليوم في قلب العاصمة الأميركية واشنطن من خلال الندوة العلمية التي نظمت أمس تحت عنوان “عُمان في القرن الحادي والعشرين” وذلك في إطار الزيارة التي يقوم بها معالي الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام إلى الولايات المتحدة الأميركية والتي استعرضت تاريخ العلاقات العمانية ـ الأميركية، وقُدم خلالها عدد من أوراق العمل التي تبحث في مختلف المحاور الاقتصادية والثقافية والدينية التي تعكس تجربة السلطنة في مجال التسامح والحريات الدينية والتاريخ والتراث والجغرافيا والتطور الاقتصادي، وما يتصل بالميزات التنافسية والبُعد الحضاري العميق لعُمان. وتهدف الندوة إلى إبراز الوجوه المختلفة للعلاقات العمانية ـ الأميركية التي تطورت خلال السنوات الماضية والتي تعززت بفضل الرعاية السامية من لدن جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والقيادات الأميركية المختلفة الحريصة على تطويرها وتعزيزها.
إن عُمان هي عُمان وهي مجان وهي مزون، وهي الحضارة والتاريخ الضارب في الأعماق، وهي الحريصة على إيصال هذه الرسالة الحضارية والإنسانية وفتح الآفاق مع العالم ناشرة رسالتها بكل حب وأريحية لينهل من معينها الآخرون ومما حملته من قيم ومُثل ومبادئ واحترام للآخر وتسامح، وما من شك أن النهضة المباركة أعادت الألق لاسم عُمان وأمجادها من خلال ما نادت به النهضة المباركة من مبادئ وقيم عظيمة وما وضعته من أهداف سامية ترفع من قيمة الإنسان وعطائه واحترامه ومكانته، وتعتبره الرقم الأول والأصعب في معادلة التنمية الشاملة والتحضر والتقدم والرقي، واستقرار الأوطان وتقدمها وتطورها. فكان حالة خاصة، الالتزام العماني بعملية البناء التنموي وخدمة حاجات الوطن الأساسية وفي نفس الوقت الانفتاح على الآخر بحرص ومسؤولية دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعم مسيرة التعاون والتكامل وتنمية المصالح المشتركة للشعوب تحت راية الأمن والسلام والتسامح ومد جسور التواصل.